
في حادثة جديدة تعكس حجم الإهمال البيئي المتراكم، شهدت منطقة زحلة مؤخرا رمي آلاف طيور الدجاج النافقة في مجرى نهر الليطاني، ما أثار موجة غضب واسعة لدى الأهالي والناشطين البيئيين الذين يرون في هذه الكارثة فصلاً آخر من مسلسل الاعتداء على النهر الأطول والأهم في لبنان.
فالمشهد الذي تكرّر على مدى سنوات يظهر اليوم أكثر وضوحا: مياه ملوّثة، روائح كريهة، ونظام بيئي يختنق تحت وطأة النفايات الصناعية والزراعية والحيوانية.
إن رمي الدجاج النافق في مجرى النهر ليس مجرد مخالفة عابرة، بل هو جريمة بيئية تهدد سلامة المياه الجوفية وصحة السكان الذين يعيشون في محيط النهر ويعتمدون عليه في الزراعة والري. فهذه الكميات الكبيرة من الطيور الميتة تحمل معها مسببات أمراض وبكتيريا خطرة، تتحلل في المياه، وتساهم في رفع نسب التلوث التي باتت أصلاً في مستويات قياسية.
مع كل كارثة مماثلة، يُطرح السؤال نفسه: إلى متى يبقى هذا النهر متروكاً بلا حماية من الدولة؟
المشكلة ليست فقط في الفعل نفسه، بل في منظومة كاملة من غياب الرقابة وضعف تطبيق القوانين. فالأجهزة الرسمية تمتلك ما يكفي من أدوات المنع والمحاسبة، لكنها نادراً ما تتحرك إلا بعد وقوع الضرر، وبدلاً من أن يكون الليطاني شريان حياة لمنطقته، تحوّل إلى مستودع نفايات مفتوح، تتقاسمه المصانع والمزارع ومكبات النفايات العشوائية. أما الخطط التي أعلنتها الدولة في السنوات الماضية لمعالجة التلوث فلم تتعدَّ حدود الوعود أو المشاريع المتعثرة.
من الناحية البيئية، تُعدّ حادثة الدجاج النافق إنذاراً إضافياً بأن النظام البيئي للنهر يمرّ في مرحلة خطيرة، قد تصبح غير قابلة للعودة إن لم تتخذ إجراءات حازمة، ويتطلب ذلك تشديد الرقابة على الأنشطة الزراعية والصناعية، وتفعيل دور البلديات في منع التعديات، وإطلاق حملات تنظيف مستدامة، إضافة إلى تطبيق صارم لقانون حماية البيئة الذي كثيراً ما بقي حبراً على ورق.
أما من الناحية الاجتماعية، فإن استمرار هذا الإهمال يعمّق شعور المواطنين بأن صحتهم وبيئتهم ليست ضمن أولويات الدولة. فالليطاني ليس مجرد مجرى مائي، إنه رمز لاقتصاد زراعي، وركيزة استقرار بيئي، ومورد حياة لآلاف العائلات.
إن مثل حادثة الدجاج النافق يجب أن تتحول إلى لحظة صحوة. فإما أن تُفعَّل الدولة أدواتها وتعيد للنهر حقه في الحياة، أو نبقى أمام نهر يحتضر كل يوم، فيما تتراكم الكوارث بلا حسيب ولا رقيب.

