أظهر لقاح تجريبي لعلاج سرطان الكبد نتائج واعدة في تجربة سريرية من المرحلة الأولى، بعدما استهدف شكل نادر من المرض يصيب الأطفال والشباب.
وأظهرت دراسة أن 9 من بين 12 مريضاً تم تقييمهم بشكل كامل، أي 75% من المشاركين، حققوا تحكماً في المرض، سواء عبر استقرار الحالة أو استجابة مناعية قابلة للقياس، واستجاب 3 مرضى بشكل عميق، ويعتقد أنهم أصبحوا خالين من السرطان، بينهم مراهق يبلغ من العمر 13 عاماً حقق استجابة شبه كاملة، واستمر في العلاج المناعي لمدة عامين.
وأوضح الباحثون المشاركون في الدراسة أن معظم المرضى قد جربوا على الأقل علاجاً كيميائياً سابقاً دون جدوى، وأن لقاح السرطان مكن أحد المرضى من استئصال الورم جراحياً بعد فشل العلاجات السابقة، حيث كان يعاني من ألم شديد وكان يفكر في الرعاية الموجهة للتخفيف من الأعراض فقط، ووفرت الدراسة خياراً علاجياً جديداً لهذا المريض، وأدى اللقاح إلى استجابة خلال أشهر قليلة من دخوله التجربة السريرية.
علاج سرطان الكبد.. استجابات عميقة
وقال المؤلف المشارك في الدراسة، مارك ياركوآن، أستاذ مشارك في علم الأورام بكلية الطب في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، إن النتائج كانت مدهشة، إذ حقق المرضى استجابات عميقة وطويلة الأمد، مما أتاح لهم بلوغ مراحل مهمة في حياتهم، وهو ما وصفه بأنه أمر مشجع للغاية.
وأشارت المؤلفة الرئيسية للدراسة، مارينا باريتي، أستاذة مساعدة في علم الأورام في جامعة جونز هوبكنز ورئيسة كرسي بحث سرطان الكبد، أن سرطان “الفيبرو لاميلار” هو شكل نادر من سرطان الكبد يصيب حوالي 500 شخص سنوياً في الولايات المتحدة، عادة من المراهقين، والشباب الأصحاء.
وأشارت “باريتي” إلى أن معظم الناس عند التفكير في سرطان الكبد يرتبط لديهم بتليف الكبد أو التهاب الكبد، بينما يصيب هذا السرطان المرضى الأصحاء غالباً، ولا توجد علاجات قياسية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، ويكون التشخيص سيئاً بشكل خاص لأولئك الذين لا يمكن استئصال أورامهم جراحياً.
وشملت التجربة تسجيل 16 مريضاً من عمر 12 عاماً فما فوق، جميعهم لديهم أورام لا يمكن استئصالها جراحياً، وذلك خلال الفترة من أبريل 2020 إلى سبتمبر 2022، وكان متوسط عمر المرضى 23 عاماً، وتوقف 4 مرضى عن العلاج لأسباب مختلفة، تاركين 12 مريضاً للتقييم الكامل.
أظهر الباحثون أن اللقاح كان جيد التحمل بشكل عام، خلال مراحل الدراسة، وكانت أكثر الآثار الجانبية شيوعاً ردود الفعل في موقع الحقن، والصداع، والتعب، وأشار الفريق إلى أنهم بصدد توسيع الدراسة لتشمل المزيد من المرضى، ويخططون لإجراء تجربة سريرية أكبر.
أكد الباحثون أن هذه النتائج تمثل خطوة مهمة نحو إيجاد علاج فعال لشكل نادر من سرطان الكبد يصيب الأطفال والشباب، وتفتح الأمل أمام مرضى لم تكن لديهم خيارات علاجية فعالة من قبل، مع إمكانية أن يؤدي هذا اللقاح إلى تحسين حياة المرضى، وتمكينهم من بلوغ مراحل حياة طبيعية دون قيود السرطان.
كما أكد الباحثون أن المتابعة الطويلة للمرضى واستمرار العلاج المناعي قد يكونان مفتاح النجاح في تحقيق الاستجابة العميقة والدائمة.
وأبرزت الدراسة أن تعاون مؤسسات مختلفة، بما في ذلك مراكز الأبحاث الجامعية، ومستشفيات الأطفال، ومؤسسات دعم السرطان، لعب دوراً حاسماً في تصميم هذه التجربة وتطبيقها، وهو ما يعكس أهمية النهج التعاوني في تطوير علاجات جديدة للأمراض النادرة.
وأشار الباحثون إلى أن التقدم في العلاج المناعي، وفهم التفاعلات المناعية للجسم مع أورام نادرة سمح بتصميم لقاح فعال يركز على تحفيز استجابة مناعية قوية، يمكن أن تستهدف الخلايا السرطانية بشكل محدد، وتقلل من انتشار المرض.
صغر حجم التجربة
ونوه الباحثون إلى أن النتائج الأولية لهذه التجربة، المنشورة في دورية Nature Medicine، قد تضع الأساس لتجارب أوسع تشمل عدداً أكبر من المرضى، وربما تمهد الطريق لاعتماد لقاح مشابه كعلاج قياسي في المستقبل لأولئك الذين يصابون بسرطانات مختلفة، إذ تقدم الدراسة نموذج يحتذى به في تطوير لقاحات موجهة لعلاج سرطانات نادرة أخرى، خاصة لدى فئات الأطفال والمراهقين، حيث يكون الجهاز المناعي قويا، ويمكن استغلاله لتحفيز استجابات طويلة الأمد ضد الأورام.
ويرى الباحثون أن النتائج التي تحققت، على الرغم من صغر حجم التجربة، تعد دليلاً على الإمكانيات الهائلة للعلاج المناعي المستهدف، وأنها تفتح المجال أمام إجراء تجارب سريرية أوسع تشمل مرضى من مختلف الأعمار والأصول، لتعزيز الفهم، وتحسين النتائج العلاجية على نطاق أوسع.
ويعتقد الباحثون أن النتائج المبكرة تشير إلى أن الجمع بين اللقاح والعلاج المناعي يمكن أن يحدث استجابة علاجية عميقة، وأن هذه النتائج توفر أملاً ملموساً للمرضى الذين لم يكن لديهم أي خيارات علاجية فعالة من قبل، كما تعكس الإمكانيات الكبيرة للتقنيات المناعية الحديثة في علاج الأورام النادرة.
وخلص الباحثون إلى أن هذه التجربة تمثل خطوة كبيرة نحو تحويل الفهم العلمي لعلاج الأورام النادرة إلى حلول علاجية عملية، وأن البيانات المكتسبة توفر أساساً لتوسيع نطاق التجارب، وتطوير بروتوكولات علاجية محسنة لضمان أفضل النتائج الممكنة للمرضى.

