
كتب ماجد السلمي في صحيفة عكاظ.
جاءت زيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن كحدث يتجاوز حدود اللقاءات الدبلوماسية التقليدية، لتكشف عن مرحلة جديدة من الشراكة بين المملكة والولايات المتحدة، وترسم صورة وطن يتحرك بثقة نحو المستقبل ويعيد صياغة موقعه في النظام الدولي. فالزيارة لم تكن مجرد تبادل للرسائل أو مناقشة لبروتوكولات سياسية، بل كانت تعبيرًا واضحًا عن قوة سعودية جديدة تبني موقعها بثبات من خلال اقتصاد متنوع، وتقنيات متقدمة، ورؤية واضحة تؤسس لمرحلة مختلفة من النفوذ الإقليمي والدولي.
منذ لحظة وصول سموه إلى العاصمة الأمريكية، بدا الحضور السعودي أكثر وضوحًا وقوة. فالمملكة كانت تفاوض وهي تمتلك مشروعًا تنمويًا ضخمًا يغيّر الصورة الاقتصادية والسياسية للمنطقة، وتملك طموحًا واسعًا يتجاوز الإطار التقليدي للعلاقات الدولية. وقد ظهر أن السعودية تدخل هذه المباحثات من موقع قوة، مدعومة برؤية 2030 التي أرست قواعد تحول اقتصادي وتكنولوجي جعلها أحد أبرز مراكز الثقل في الشرق الأوسط والعالم.
وفي إطار الملفات الدفاعية والتقنية الحساسة، برز ملف طائرات F-35 كأحد أبرز محاور الحوار الإستراتيجي. فهذا الملف لا يرتبط بمجرد تسليح تقليدي، بل يمثل نقلة نوعية في القدرات الدفاعية التي تسعى المملكة لتعزيزها ضمن خطط التحديث العسكري. فالـ F-35 ليست مجرد مقاتلة، بل منظومة قتالية متقدمة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ودمج البيانات، والتحليل الفوري، ما يجعل امتلاكها خطوة نحو بناء قوة جوية مستقبلية تعتمد على أحدث ما أنتجه العالم في الصناعات العسكرية.
وبالتوازي مع هذا الملف العسكري، جاء الذكاء الاصطناعي كأحد أعمدة الشراكة المستقبلية بين الرياض وواشنطن. فهو اليوم لغة القوة الجديدة في العالم، وعنصرٌ أساسي في تشكيل الاقتصادات الحديثة، والتحولات الدفاعية، والأمن السيبراني. المملكة تتقدم بسرعة في بناء بنية تحتية رقمية عملاقة، وتؤسس لشركات وطنية قادرة على المنافسة، وتستقطب أكبر شركات التقنية العالمية إلى الرياض. وهذا يجعل التعاون في هذا المجال جزءًا محوريًا من بناء اقتصاد المستقبل وقوة الدولة الحديثة، خصوصًا مع تزايد أهمية البيانات الضخمة والأنظمة الذكية في إدارة الدول واقتصاداتها.
كما برزت أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي من خلال مشاريع واستثمارات ضخمة تعكس رؤية المملكة للتحول الشامل، واعتمادها على تنويع مصادر النمو، وبناء قطاعات جديدة تدعم مكانتها في الاقتصاد العالمي، وتفتح آفاقًا واسعة لشراكات دولية إضافية.
وفي ختام الزيارة برزت رسالة واضحة: أن العلاقات السعودية الأمريكية تدخل مرحلة جديدة قائمة على الشراكة المتوازنة ورؤية المستقبل. وأن المملكة اليوم لا تتفاعل مع المشهد الدولي فحسب، بل تشارك في تشكيله عبر قوتها الاقتصادية وتقدمها التقني ونهضتها الدفاعية، لتبقى في طليعة دول المنطقة والعالم.

