قال مسؤولون عسكريون أميركيون وفنزويليون سابقون إن الجيش الأميركي قد يستهدف مجموعة واسعة من المواقع إذا قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تنفيذ ضربات داخل فنزويلا، وذلك بدايةً من القواعد العسكرية إلى معامل تكرير الكوكايين ومدارج الطائرات السرية، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.
ووصلت حاملة الطائرات الأميركية “جيرالد آر. فورد”، وهي الأكبر في العالم، إلى مياه أميركا اللاتينية، في خطوة تُقرب آلاف الجنود الأميركيين من فنزويلا وتزيد احتمال تصعيد الحملة العسكرية التي أودت حتى الآن بحياة أكثر من 75 شخصاً كانوا على متن زوارق سريعة وغواصات شبه غاطسة.
ورغم أن ترمب لمح مراراً إلى احتمال تنفيذ ضربات برية، فإنه نفى في الأيام الأخيرة وجود نية فورية لشن هجوم داخل الأراضي الفنزويلية.
ما الأهداف المحتملة؟
بحسب ما نقلت “واشنطن بوست” عن مصادر عسكرية أميركية وفنزويلية سابقة وخبراء دفاعيين في المنطقة، يمكن أن تشمل الأهداف المحتملة القواعد العسكرية الفنزويلية، أو معامل تكرير الكوكايين، أو مدارج الطائرات غير الشرعية، أو معسكرات المقاتلين.
لكن تأثير مثل هذه الضربات يبقى غير مؤكد.
ورغم أن ترمب لمح إلى احتمال استهداف مهربي المخدرات في فنزويلا، فإنه لم يوضح ما إذا كانت الضربات ستوجه ضد مواقع تهريب الكوكايين فقط أم ضد حكومة الرئيس نيكولاس مادورو نفسها.
ويتهم ترمب مادورو وكبار قادته الأمنيين بقيادة منظمة تهريب المخدرات المعروفة باسم “كارتل دي لوس سوليس”، التي ترسل شحنات الكوكايين إلى الولايات المتحدة. وقد صنفت الإدارة الأميركية هذا الكارتل كـ “منظمة إرهابية”، ما قد يمنحها ذريعة قانونية لاستهداف حكومة مادورو مباشرة في محاولة للضغط عليه أو الإطاحة به بالقوة.
وقال الأدميرال الأميركي المتقاعد جيم ستافريديس، الذي أشرف على العمليات في المنطقة بين عامي 2006 و2009، إن الجيش الفنزويلي “تآكل” في السنوات الأخيرة، لكنه ما زال يمتلك ما يكفي من السلاح والقدرات لردع أي غزو بري واسع النطاق.
وأضاف: “من المرجح أن تبدأ الولايات المتحدة بضربات دقيقة تستهدف مواقع إنتاج المخدرات والمنشآت العسكرية، وإذا لم تحقق النتائج المرجوة، فقد تتجه نحو استهداف القيادات. الهدف هو إقناع مادورو بأن أيامه باتت معدودة، لكن ذلك سيتطلب سلسلة ضربات كبيرة ضد بنية فنزويلا التحتية”.
سيناريوهات المواجهة
ورجّح ستافريديس أن يلجأ مادورو إلى التحصن في وجه مثل هذه الضربات، ما قد يدفع إدارة ترمب للتفكير في استهداف أجهزة أمنه أو تنفيذ عملية خاصة لاعتقاله أو قتله، وهو خيار وصفه بأنه “رهان عالي المخاطر”.
وأشار الأدميرال المتقاعد إلى أن الولايات المتحدة قد تبدأ بضرب المطارات والموانئ التي تُستخدم كنقاط شحن للمخدرات، أو مواقع التهريب قرب الحدود مع كولومبيا، مع ضرورة تدمير الدفاعات الجوية الفنزويلية لحماية الطائرات الأميركية.
وقال عميل سابق في وكالة مكافحة المخدرات الأميركية خدم في فنزويلا إن القوات الأميركية قد تستهدف مدارج سرية في ولاية أبوري، حيث يخزن المهربون الكوكايين قرب “مواقف الطائرات” التي تهبط من أميركا الوسطى لتحميل الشحنات.
كما أفاد ضابط فنزويلي سابق يعيش في المنفى بأن مدارج أخرى في منطقة كاتاتومبو تشهد نشاطاً متزايداً منذ تشديد واشنطن حملتها ضد قوارب التهريب، مشيراً إلى أن منشآت تخزين ضخمة للمخدرات تقع في ولاية سوكري أيضاً.
وأضاف أن تدمير مصادر المخدرات قد يقوّض القوة الاقتصادية للضباط والمسؤولين الفاسدين، لكن إذا كان الهدف استهداف الأجهزة الأمنية لمادورو، فقد تهاجم الولايات المتحدة جهاز الاستخبارات العسكرية الفنزويلي المعروف باسم المديرية العامة للاستخبارات العسكرية.
الرد المحتمل
رغم تدهور أوضاع الجيش الفنزويلي، فإنه لا يزال يمتلك أسلحة متقدمة حصل عليها خلال عهد الرئيس الراحل هوجو تشافيز، من بينها منظومة الدفاع الجوي الروسية S-300VM التي يُعتقد أنها تعمل جزئياً فقط.
ويقدّر عدد القوات المسلحة الفنزويلية بنحو 109 آلاف جندي، رغم أن ضباطاً سابقين يقولون إن العدد الفعلي أقل بكثير. كما أن لدى فنزويلا أقل من خمس طائرات روسية من طراز “سوخوي” عاملة، بحسب أحد المصادر، الذي أضاف أن مادورو لا يمتلك القدرة العسكرية أو الشعبية لخوض حرب ضد الولايات المتحدة.
وقال المصدر: “لن أقول إنه لن يكون هناك أي مقاومة، لكنها بالتأكيد لن تكون حرباً ضد القوات الأميركية”.
خطر جماعة “جيش التحرير الوطني”
من بين الجماعات التي قد تتأثر بأي هجوم أميركي، تبرز جماعة “جيش التحرير الوطني”، وهي منظمة كولومبية يسارية مسلحة لها حضور واسع داخل فنزويلا.
وبحسب إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية، وفّرت حكومة مادورو لهذه الجماعة ولعناصر منشقة من حركة “فارك” الكولومبية ملاذاً آمناً للاتجار بالمخدرات والأنشطة غير القانونية.
وتشير تقارير الجيش الكولومبي إلى أن جزءاً كبيراً من الكوكايين المنقول من كولومبيا يُكرّر داخل مختبرات في الجانب الفنزويلي من الحدود.
وتفيد مصادر دبلوماسية في المنطقة بأن مقاتلي “جيش التحرير الوطني” بدأوا مؤخراً بالانسحاب نحو كولومبيا تحسباً لضربات أميركية داخل فنزويلا.
ورغم إعلان مادورو مؤخراً تفكيك معسكرات للجماعة قرب الحدود، تقول ديكنسون إن هذه الخطوة تهدف إلى تشتيت مقاتلي”جيش التحرير الوطني” وتخفيف ظهورهم العلني، خشية أن يصبحوا هدفاً مباشراً للولايات المتحدة.
وحذّرت من أن أي هجوم أميركي ضد الجماعة قد يدفعها إلى الرد باستهداف الجيش الكولومبي المدعوم من واشنطن، قائلاً إن جماعة “جيش التحرير الوطني لن تنفذ هجوماً في نيويورك، لكنها قادرة تماماً على تنفيذ هجوم إرهابي في بوجوتا”.
موقف النظام والمعارضة
تُظهر وثائق حكومية داخلية اطّلعت عليها “واشنطن بوست” أن شخصيات من المعارضة ومسؤولين سابقين في حكومة مادورو أبلغوا دبلوماسيين أميركيين بأن الحكومة الفنزويلية قلقة من التحركات العسكرية الأميركية، لكنها تعتقد أنها قادرة على الصمود في وجه الضغوط والحفاظ على السلطة.
وبحسب الوثائق نفسها، يستبعد معظم المراقبين أن تؤدي ضربات أميركية ضد مواقع تهريب المخدرات داخل فنزويلا إلى انشقاق الجيش أو انقلاب ضد مادورو.
ما هدف ترمب الحقيقي؟
يرى مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون أن أي ضربات داخل فنزويلا لن تغيّر كثيراً في واقع تجارة المخدرات، إذ إن معظم الكوكايين يُنتج في كولومبيا ويُهرّب إلى أوروبا أو جزر الكاريبي أكثر من وصوله إلى الولايات المتحدة.
وقال جنرال أميركي متقاعد إن “الاعتقاد بأن ضرب فنزويلا سيوقف تدفق المخدرات إلى أميركا محض هراء”، على حد تعبيره.
وفي مقابلة مع برنامج “60 دقيقة”، قال ترمب إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة ستخوض حرباً مع فنزويلا، لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن “أيام مادورو معدودة”.
وخلال إحاطة سرية الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الحرب بيت هيجسيث لأعضاء في الكونجرس إن الإدارة لا تستعد حالياً لاستهداف فنزويلا بشكل مباشر ولا تمتلك أساساً قانونياً واضحاً لذلك.
وقال مسؤول أميركي مطّلع على مداولات الإدارة إن ترمب لم يحسم قراره بشأن تنفيذ ضربات داخل فنزويلا، مضيفاً أن الرئيس قد يتصرف كما فعل في عمليات سابقة، فيعلن النصر سريعاً ثم ينتقل إلى ملف آخر.
وقارن المسؤول الأمر بحملة ترمب ضد الحوثيين في اليمن في مارس الماضي، حين أمر بشن ضربات بدعوى تهديدهم للسفن في البحر الأحمر، قبل أن يوقف العمليات في مايو بعد أن توقفت الهجمات الحوثية.
وقال المسؤول: “كان ذلك خطاً تعسفياً رسمناه من دون هدف واضح، تماماً كما يبدو الحال اليوم”.

