مع توالي تسليم جثامين المحتجزين الإسرائيليين، بدأت الأطراف تعد لبحث تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ بشأن غزة، وسط توقعات تميل إلى التشاؤم أكثر منها إلى التفاؤل.
وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق موضوعات الحكم والسلاح وقوات الاستقرار الدولية وإعادة الإعمار.
لجنة الحكم
تواجه الأطراف صعوبات كبيرة في تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية لإدارة قطاع غزة، وفق ما نص عليها الاتفاق، وفي حين وافقت حركة “حماس” على مقترح مصري لتشكيل اللجنة من 8 شخصيات مستقلة من قطاع غزة، طالبت السلطة الفلسطينية بأن تتكون اللجنة من موظفين كبار في وزارات الحكومة الرسمية في القطاع برتبة وكيل وزارة أو مدير عام، وأن يرأسها وزير في الحكومة من سكان غزة.
وكشفت مصادر مطلعة على الاتصالات الجارية بين الوسطاء وإسرائيل بشأن هذه اللجنة أن الأخيرة رفضت أي دور مباشر للسلطة الفلسطينية فيها.
وقالت المصادر، لـ”الشرق”، إن مصر قدمت قائمة مقترحة تضم 15 شخصية من قطاع غزة برئاسة رئيس بلدية غزة السابق الدكتور ماجد أبو رمضان الذي يشغل حالياً منصب وزير الصحة في الحكومة الفلسطينية، لكن إسرائيل رفضتها.
وذكرت أن مصر قدمت قائمة جديدة برئاسة مسؤول وزارة الشؤون المدنية في غزة إياد نصر، وإن إسرائيل رفضتها أيضاً لصلتها بالسلطة الفلسطينية.
واعتبر مسؤولون بالسلطة، في حديث لـ”الشرق”، أن رفض إسرائيل يهدف إلى إبعاد السلطة وما تمثله، عن قطاع غزة تمهيداً لفصلها عن الضفة الغربية، ووضعها تحت نوع من الوصاية الأميركية التي تعمل وفق الخطط الإسرائيلية.
“حماس” أيضاً ترى ذات الهدف وراء الإصرار الإسرائيلي على استبعاد السلطة، وقال مسؤولون في الحركة لـ”الشرق”، إنهم وافقوا على تولي وزير في الحكومة الفلسطينية رئاسة اللجنة، وأنهم ذهبوا أبعد من ذلك حينما طالبوا بأن يجري تشكيل اللجنة بمرسوم صادر عن الرئيس محمود عباس.
ويرى كثير من المسؤولين والمراقبين على السواء أن الهدف من وراء الرفض الإسرائيلي لأي دور للسلطة هو استبعاد المعنى السياسي لتولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة نظراً لما تمثله السلطة من كيانية وطنية للفلسطينيين.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عزام الأحمد لـ”الشرق”، إن “حرب إسرائيل على السلطة لا تقل عن حربها على حماس؛ لأن السلطة تمثل نواة الدولة المستقلة التي تحاربها إسرائيل”.
السلاح
اقترحت مصر تخزين السلاح تحت إشراف إدارة فلسطينية أو عربية، ووافقت “حماس” على ذلك، واقترحت مشاركة السلطة الفلسطينية في حل ملف السلاح من خلال صيغة فلسطينية.
أما إسرائيل، ومن خلفها الإدارة الأميركية، فرفضت أية صيغة تقل عن التجريد الكامل لقطاع غزة وحركة “حماس” من السلاح.
أجهزة الأمن المحلية
سارعت حركة “حماس” لنشر قوات الشرطة والأمن في مختلف المناطق التي انسحبت منها قوات الاحتلال الإسرائيلية، وأعادت فرض النظام والقانون على نحو جعل من الصعوبة الاستغناء عن دورها في إدارة قطاع غزة في المرحلة القادمة، خاصة في الجانب الأمني، ومع ذلك يعارض الجانبان الأميركي والإسرائيلي أي دور مستقبلي للحركة ولأجهزتها الأمنية في القطاع.
قوات الاستقرار الدولية
وبدلاً من أجهزة الأمن التابعة لإدارة حركة “حماس”، تعمل الإدارة الأميركية على مشروع إنشاء “قوات الاستقرار الدولية” لتحل محل القوات الإسرائيلية وقوات حركة “حماس” تمهيداً لنشوء قوات أمن محلية جديدة تحت إدارة لجنة التكنوقراط.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية، لـ”الشرق”، إن الإدارة الأميركية تعد لتشكيل قوات دولية لتحل محل الجيش الإسرائيلي وراء ما “الخط الأصفر”.
وقالت المصادر إن الإدارة تعد للقيام بمشاريع إيواء مؤقت في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي حالياً، وإن هذه الخطط تشمل إقامة بيوت مؤقتة ومصادر مياه وطاقة ومنشآت اقتصادية للعمل لتمكين المواطنين من الإقامة والعيش والعمل.
وقالت إن هذه الأماكن ستكون مفتوحة لجميع سكان قطاع غزة الراغبين في الإقامة والعمل فيها، وأن هذا يبقي حركة “حماس” معزولة في الأماكن التي تسيطر عليها حالياً، طالما بقيت الحركة متمسكة بسلاحها.
ويخشى كثير من الفلسطينيين أن يجري تقسيم قطاع غزة إلى منطقتين: غربية مدمرة وفقيرة تحت سيطرة “حماس”، وشرقية تحت سيطرة أميركية- إسرائيلية، ما يعيق إعادة إعمار قطاع غزة ويجعل من القطاع منطقة غير مستقرة وطاردة للسكان.
ورفضت إسرائيل مشاركة تركيا في قوات الاستقرار ما يعزز مخاوف الجانب الفلسطيني.
مسؤول رفيع في حركة “حماس” قال، لـ”الشرق”، إن إسرائيل تعيق كافة الحلول المقترحة من جانب الوسطاء بهدف إبقاء سيطرتها الأمنية الدائمة على قطاع غزة، وتنفيذ خطط فشلت في تنفيذها أثناء الحرب خاصة التهجير.
اجتماعات الفصائل
وعقدت الفصائل الفلسطينية سلسلة اجتماعات في القاهرة، لبحث ترتيبات المرحلة المقبلة في غزة. وظهرت فجوة بين مواقف القطبين الرئيسيين في السياسة الفلسطينية، وهما حركتا “فتح” و”حماس”.
وتتركز الخلافات بين الحركتين بشأن آليات الحكم والإدارة والأمن، فحركة “حماس” تصر على دور مركزي لأجهزتها الأمنية في المرحلة المقبلة وهو ما ترى فيه السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” عائقاً أمام انتقال قطاع غزة إلى مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.
وقال مسؤول فلسطيني لـ”الشرق”: “حماس تعلم أن إسرائيل سترفض أي دور لها في القطاع، وستتخذ من هذا الدور مبرراً لتقسيم القطاع واستمرار السيطرة عليه”. أما “حماس” فتقول على لسان أحد كبار المسؤولين فيها: “ليس كل ما تطلبه إسرائيل يجب أن ينفذ”.

