لجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى استخدام الرسوم الجمركية، أو التهديد بها، باعتبارها أداة فعالة لإخضاع الدول لإرادته، لا سيما أنه وظّفها بطريقة غير مسبوقة، ليس فقط كركيزة لأجندته الاقتصادية، بل أيضاً كحجر الزاوية في سياسته الخارجية خلال ولايته الثانية، حسبما ذكرت وكالة “أسوشيتد برس”.
واستخدم ترمب الرسوم الجمركية كتهديدٍ لضمان وقف إطلاق النار في دول متحاربة، كما استخدمها لإجبار دول على التعهد ببذل مزيد من الجهود لمنع تدفق الأشخاص والمخدرات عبر حدودها. وكذلك استخدمها مع البرازيل، كضغطٍ سياسي؛ لأن نظامها القضائي حاكم زعيماً سابقاً كان حليفاً لترمب.
وهذا الأسبوع، تستمع المحكمة العليا إلى مرافعات حول ما إذا كان ترمب قد تجاوز القانون الفيدرالي بالعديد من تعريفاته الجمركية. ومن المرجح أن يُقيّد صدور حكم ضده ذلك النفوذ السريع والصارم الذي اعتمد عليه جزء كبير من سياسته الخارجية.
وأعرب ترمب بشكل متزايد عن انزعاجه وقلقه بشأن القرار الوشيك في قضية يقول إنها “واحدة من أهم القضايا في تاريخ الولايات المتحدة”.
واعتبر الرئيس الأميركي أن “الولايات المتحدة ستكون أمام كارثة إذا فشل القضاة في نقض أحكام المحكمة الأدنى التي قضت بأنه بالغ في استخدام قانون صلاحيات الطوارئ لفرض تعريفاته الجمركية”.
وأشار ترمب إلى أنه قد يتخذ خطوة غير مألوفة للغاية تتمثل في حضور المرافعات شخصياً.
الدفاع عن الرسوم الجمركية
وفي دفاعها عن الرسوم الجمركية، سلّطت وزارة العدل الضوء على الطريقة الواسعة التي استخدمها ترمب لهذه الرسوم، بحجة أن العقوبات التجارية هي جزء من سلطته على الشؤون الخارجية.
في وقت سابق من هذا العام، خلصت محكمتان أدنى درجة ومعظم قضاة محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الفيدرالية إلى أن “ترمب لا يملك صلاحية فرض الرسوم الجمركية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية IEEPA”، وهي صلاحية يمنحها الدستور للكونجرس، إلا أن بعض القضاة قالوا إن قانوناً صادر عام 1977 يسمح للرئيس بتنظيم الواردات في حالات الطوارئ دون قيود محددة.
وأبقت المحاكم الرسوم الجمركية سارية، ريثما تنظر المحكمة العليا في القضية. وفي غضون ذلك، واصل ترمب فرضها محاولاً الضغط على دول أخرى أو معاقبتها في مسائل تتعلق بالتجارة.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي، في بيان: “الحقيقة هي أن ترمب تصرف بشكل قانوني باستخدام صلاحيات التعريفات الجمركية الممنوحة له من الكونجرس بموجب قانون الاقتصاد الاقتصادي الدولي الطارئ IEEPA للتعامل مع حالات الطوارئ الوطنية وحماية أمننا القومي واقتصادنا”.
وأضاف: “نتطلع إلى تحقيق نصر نهائي في هذه القضية أمام المحكمة العليا”.
“خطط بديلة”
ومع ذلك، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن فريق ترمب التجاري يعمل على وضع خطط طارئة في حال حكمت المحكمة العليا بإبطال الرسوم الجمركية.
وأوضحت ليفيت، في برنامج Sunday Morning Futures، على قناة “فوكس نيوز”: “لدينا خطط بديلة، لكن في النهاية… نأمل أن تحكم المحكمة العليا بما يصب في مصلحة بلدنا، لا يمكن المبالغة في أهمية هذه القضية، يجب أن يتمتع الرئيس بسلطة الطوارئ لفرض الرسوم الجمركية”.
وقال جوش ليبسكي، موظف سابق في البيت الأبيض ووزارة الخارجية في عهد أوباما، وهو الآن رئيس قسم الاقتصاد الدولي في المجلس الأطلسي، إن “الرؤساء المعاصرين استخدموا العقوبات المالية مثل تجميد الأصول أو منع التجارة، وليس التعريفات الجمركية، لتحقيق أهداف سياستهم الخارجية والأمن القومي”.
وأضاف: “هناك قوانين أخرى يمكن للرؤساء استخدامها لفرض الرسوم الجمركية، لكنها تتطلب عملية تستغرق شهوراً لتبريرها”.
تحرك ترمب
ويتحرك ترمب، مستشهداً بقانون الاقتصاد الاقتصادي الدولي في حالات الطوارئ، بوتيرة أسرع وأكثر جرأة، إذ يوقع أوامر تنفيذية تفرض معدلات جديدة، وينشر مقاطع على منصات التواصل الاجتماعي يهدد فيها بفرض ضرائب إضافية على الواردات، كما فعل في أواخر أكتوبر الماضي، عندما أغضبه إعلان تلفزيوني مناهض للرسوم الجمركية بثته مقاطعة أونتاريو.
وقال ليبسكي: “دأب الرؤساء على التعامل مع الرسوم الجمركية كمشرط، لا كمطرقة ثقيلة”. وتابع: “استخدم ترمب الرسوم الجمركية كركيزة أساسية لأجندته المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية، كل هذه الأمور مترابطة، والرسوم الجمركية هي جوهرها”.
على سبيل المثال، هدد ترمب في وقت سابق من هذا العام بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات الأوروبية، وهي زيادة كبيرة عن 1.2% قبل توليه منصبه. وعقب ذلك أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقاً يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% ضمن سعيه لتأمين دعم ترمب لحلف الناتو ولضمانات أمنية لأوكرانيا في حربها مع روسيا.
وواجهت مفوضية الاتحاد الأوروبي انتقادات من الشركات والدول الأعضاء لتنازلها عن الكثير، لكن مفوض التجارة، ماروش شيفتشوفيتش، جادل بأن التسوية “لا تتعلق بالتجارة فحسب، بل تتعلق بالأمن، وتتعلق بأوكرانيا”.
وأوضح ليبسكي أن “ترمب استطاع استغلال هذه الفرصة في ظروف محددة للحصول على صفقات أفضل، ليس فقط صفقات تجارية، بل صفقات أفضل إجمالاً؛ مما كان ليحصل عليه لولا ذلك”.
تأثير على الأصدقاء والأعداء
وأثّرت سياسة ترمب المتعنتة في فرض الرسوم الجمركية سلباً على علاقات أميركا مع أصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها، إذ ردّ البعض على ذلك باتّباع سياسات حمائية أو السعي إلى تعزيز العلاقات مع الصين، التي حاولت أن تُصوّر نفسها كمروّج للتجارة الحرة.
وهناك أيضاً تأثير على الميزانية. فقد نقلت بعض الشركات بعض التكاليف إلى المستهلكين برفع الأسعار، بينما انتظرت شركات أخرى لترى ما ستؤول إليه معدلات الرسوم الجمركية.
وقالت إميلي كيلكريس، التي كانت نائبة مساعد الممثل التجاري الأميركي وعملت سابقاً في قضايا التجارة في مجلس الأمن القومي كموظفة مدنية محترفة خلال إدارات أوباما وترمب وبايدن: “لا توجد سابقة حرفياً للطريقة التي يستخدمها الرئيس ترمب”.
وأضافت كيلكريس، وهي الآن مدير في مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد، أن “استخدام الرسوم الجمركية بالطريقة التي يستخدمها الرئيس ترمب يشبه هجوماً واسع النطاق على الاقتصاد كوسيلة لتحفيز حكومة أجنبية على تغيير موقفها”.
تأثيرات الحكم
وأعربت كيلكريس عن اعتقادها بوجود “احتمال كبير” أن تقف المحكمة العليا في صف ترمب؛ لأن قانون الطوارئ الدولية يمنح الرئيس “صلاحيات طوارئ واسعة ومرنة”.
وتأتي القضية أيضاً أمام المحكمة العليا التي كانت حتى الآن مترددة في الحد من استخدام ترمب الواسع النطاق للسلطات التنفيذية.
وإذا فرضت المحكمة قيوداً على ترمب، فقد يترك ذلك الحكومات الأجنبية تتساءل عما إذا كان عليها محاولة إعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية أُبرمت مؤخراً مع إدارة ترمب، وفقاً لخبراء، لكن ثمة حقائق سياسية مؤثرة أيضاً؛ لأن التراجع عن الاتفاقيات قد يؤثر على أولويات أخرى في السياسة الخارجية أو الاقتصاد.
وأضافت كيلكريس إن “الإدارة قد تلجأ إلى محاولة استخدام قوانين أخرى لتبرير التعريفات الجمركية، على الرغم من أن هذا قد يعني عملية أكثر تعقيداً وبيروقراطية”.
وأضافت: “هذا بالتأكيد لا يُلغي الرسوم الجمركية، بل يُبطئها قليلاً”.

