هل تنجح العقوبات الأميركية الجديدة على روسيا في الضغط على بوتين لإنهاء الحرب؟
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس (الأربعاء)، عقوبات على روسيا تتعلق بأوكرانيا لأول مرة في ولايته الثانية، مستهدفاً شركتي النفط «لوك أويل» و«روسنفت»، وذلك في ظل تنامي استيائه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب الحرب.
وصرح وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، بأن العقوبات ضرورية بسبب «رفض بوتين إنهاء هذه الحرب العبثية»، وأن الشركات المستهدفة مسؤولة عن تمويل «آلة الحرب» التابعة للكرملين. وأضاف أن الولايات المتحدة مستعدة أيضاً لاتخاذ إجراءات إضافية.
ووصف ترمب العقوبات بأنها «هائلة»، لكن الخبراء ما زالوا منقسمين حول مدى فعاليتها في إبطاء وتيرة الحرب الروسية وإجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ حيث يرى كثيرون أن الأمر يعتمد على مدى حزم الولايات المتحدة في تطبيقها.
ما الذي أُعلن عنه؟
وفقاً لما نقلته صحيفة «الغارديان» البريطانية، ستُجمّد جميع أصول شركتي «روسنفت» و«لوك أويل» في الولايات المتحدة بموجب العقوبات التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية، بينما ستُمنع الشركات والأفراد الأميركيون من التعامل معهما.
وتشمل الإجراءات أيضاً عقوبات على عشرات الشركات التابعة لهاتين الشركتين.
كما تُهدّد الولايات المتحدة بفرض عقوبات ثانوية على المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع «روسنفت» و«لوك أويل»، التي قد تشمل البنوك التي تُسهّل مبيعات النفط الروسي في الصين والهند وتركيا.
وتُعدّ «روسنفت» و«لوك أويل» أكبر شركتي نفط في روسيا، وتُمثّلان ما يقرب من نصف صادرات روسيا من النفط الخام، وفقاً لوكالة «بلومبرغ» للأنباء.
وقد فرضت المملكة المتحدة عقوبات على الشركتين، الأسبوع الماضي، ومن المتوقع أن يعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا، اليوم (الخميس).
لماذا الآن؟
خلال حملته الانتخابية، عام 2024، زعم ترمب أنه سينهي حرب أوكرانيا «خلال 24 ساعة»، في حال انتخابه. لكن منذ عودته إلى البيت الأبيض، وجد المهمة أصعب مما تصور. فقد تذبذب موقفه تجاه الحرب، من تصريحه، الشهر الماضي، بأن أوكرانيا قادرة على استعادة جميع الأراضي التي فقدتها منذ غزو عام 2022، إلى اقتراحه هذا الأسبوع تقسيم منطقة دونباس في البلاد بطريقة تجعل معظمها تحت السيطرة الروسية.
وهذا الأسبوع، أعلن ترمب فجأة تأجيل قمة ثانية مقررة مع بوتين إلى أجل غير مسمى، وسط تقارير عن شعور إدارته بالإحباط من الشروط المسبقة التي وضعها الجانب الروسي للاجتماع.
وبحلول يوم الأربعاء، بدا نفاد صبره واضحاً؛ حيث قال: «في كل مرة أتحدث فيها مع فلاديمير، أجري محادثات جيدة، ثم لا تُسفر عن أي نتيجة».
وقاوم ترمب ضغوط حلفائه في الكونغرس لفرض المزيد من العقوبات، لكن يبدو أن عدم رغبة روسيا في تغيير موقفها، إلى جانب الضغط المستمر من أوروبا، قد غيّر حساباته.
هل ستنجح هذه العقوبات في الضغط على بوتين؟
تمثل الضرائب المفروضة على قطاع الطاقة نحو ربع ميزانية روسيا، وستساهم العقوبات الإضافية في زيادة تقييد قدرة «روسنفت» و«لوك أويل» على ممارسة الأعمال، مما يزيد الضغط على بوتين.
وصرح مارشال بيلينغسلي، مسؤول الخزانة، خلال ولاية ترمب الأولى، بأن التهديد باستهداف البنوك التي تتعامل مع الشركتين كان من بين أهم الإجراءات المُعلنة، لأنه سيُصعّب على الشركات استيراد النفط الخام الروسي.
وأضاف: «حتى لو أرادت المصافي الهندية والصينية والتركية الاستمرار في الشراء، فقد ترفض بنوكها».
إلا أن توماس غراهام، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية في أميركا، يخالف هذا الرأي؛ حيث قال لـ«بلومبرغ»: «إذا كان البيت الأبيض يعتقد أن هذا سيؤدي إلى تغيير جذري في سلوك الكرملين أو سياسة بوتين، فإنهم يخدعون أنفسهم. لقد كان الكرملين بارعاً جداً في التحايل على هذه الأنواع من العقوبات».
وتكهَّن آخرون بأن تدفق النفط الروسي إلى الهند – الدولة التي برزت كمشترٍ رئيسي في السنوات الثلاث الماضية – قد ينخفض بشكل كبير نتيجة العقوبات الأميركية.
وصرّح محلل الطاقة توماس أودونيل بأن ترمب يضغط على رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لإنهاء الواردات، وأن الإجراءات الجديدة قد تُسرّع هذه الخطوات من خلال منح المصافي الهندية وسيلة للخروج من العقود المبرمة لسنوات مقبلة.
وقال أودونيل: «هذا بالغ الأهمية. يمكنهم تدمير روسيا كدولة نفطية».
في النهاية، سيعتمد تأثير الإجراء الجديد على مدى نشاط الولايات المتحدة في تنفيذ تهديداتها ضد المؤسسات المالية التي تتعامل مع «روسنفت» و«لوك أويل».
وقد اختارت إدارة بايدن عدم فرض عقوبات على الشركتين، خوفاً من أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة تكاليف الطاقة، في وقت كانت فيه معدلات التضخم في طريقها أخيراً إلى الانخفاض.
ويقول الخبراء إن وعد ترمب خلال حملته الانتخابية بالحفاظ على أسعار البنزين منخفضة وإدارة أزمة غلاء المعيشة قد يُخفف من تأثير العقوبات الجديدة، إذا بدأت تؤثر بشكل كبير على أسعار النفط.
ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل أكثر من ذلك؟
يواصل حلفاء أوكرانيا الضغط على ترمب نحو سبل دعم أخرى، من بينها خطة لاستخدام الأصول الروسية المجمدة في بداية الحرب لتمويل دفاع أوكرانيا.
ومن المتوقَّع أن يوافق قادة الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع على قرض من دون فوائد بقيمة 140 مليار يورو (162 مليار دولار) لأوكرانيا، مدعوماً بالأصول الروسية المجمدة في أوروبا. وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تراجعت عن دعم مثل هذه الخطة.
كما يواصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الضغط على الولايات المتحدة للحصول على أسلحة بعيدة المدى قادرة على ضرب عمق روسيا.
ويوم الأربعاء، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إدارة ترمب ستسمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى من حلفائها لشن هجمات في عمق روسيا، مثل صواريخ «ستورم شادو» البريطانية التي استخدمت في هجوم حديث على مصنع روسي يُنتج المتفجرات ووقود الصواريخ في منطقة بريانسك.
لكن ترمب نفى على وسائل التواصل الاجتماعي رفع أي قيود، قائلاً: «الولايات المتحدة ليس لها أي علاقة بهذه الصواريخ، ولا من أين أتت، ولا بما تفعله أوكرانيا بها».