لم يمض وقت طويل منذ أن كان الجميع يمتدح السلاح الهجومي الذي استخدمه ليفربول بفاعلية خلال سباقه على لقب الدوري الإنجليزي الموسم الماضي.
غير أن هذا السلاح نفسه تحوّل اليوم إلى نقطة ضعف تُستغل ضده منذ انطلاق الموسم الجديد، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic». فالسؤال الذي بدأ يتردد داخل أروقة النادي هو: هل أصبح ليفربول يعاني من مشكلة في الكرات العرضية المرسلة نحو القائم البعيد؟
الجواب لا يحتاج إلى تحليل مطوّل بالفيديو. فهدف الفوز المتأخر الذي سجله الشاب البرازيلي استيفاو في مرمى ليفربول على ملعب «ستامفورد بريدج» كان مثالاً صارخاً على تلك الثغرة. جناح تشيلسي اليافع تسلّل خلف الظهير الأيسر أندرو روبرتسون ليقابل عرضية عميقة من مارك كوكوريّا بتسديدة مباشرة في مرمى جورجي مامارداشفيلي، مسجلاً الهدف الذي سلّم ليفربول ثالث هزيمة له خلال ثمانية أيام قبل التوقف الدولي.
هذا المشهد بات مألوفاً لأنصار «الريدز» منذ بداية الموسم. فبحسب تصنيف «The Athletic»، استقبل الفريق سبع فرص خطيرة من كرات إلى القائم البعيد حتى الآن، ولا يتفوّق عليه في هذا الجانب سوى أندية المؤخرة الثلاثة: وست هام، نوتنغهام فورست، وولفرهامبتون. وللمقارنة، فإن فريق سلوت استقبل ثلاثة أهداف فقط بهذه الطريقة طوال الموسم الماضي، ما يجعلها نقطة ضعف متنامية تستحق التوقف عندها.
روبرتسون، الذي بدا متأثراً بإصابة خفيفة بعد تدخل قاسٍ من مويسيس كايسيدو قبل هدف تشيلسي، لم يتموضع بالشكل الصحيح لإغلاق القائم البعيد، فسبقَه استيفاو بخطوة واحدة كانت كافية لتغيير مصير المباراة. الهدف أعاد للأذهان لقطة مماثلة الموسم الماضي، عندما أرسل أنطوني روبنسون عرضية عميقة من الجهة اليسرى انتهت بتسديدة فورية من أندرياس بيريرا في شباك أليسون داخل «أنفيلد». وحتى هدف بورنموث في الجولة الافتتاحية لهذا الموسم يمكن اعتباره من النوع نفسه، حين تفوّق المهاجم أنطوان سيمينيو على روبرتسون بسهولة داخل منطقة الجزاء ليحوّل عرضية ديفيد بروكس إلى هدف مبكر.
روبرتسون ليس وحده في دائرة الاتهام. فالوافد الجديد ميلوش كيركيز لم يُظهر بعد المستوى الدفاعي الذي أقنع سلوت بضمه. مباراته الأولى أمام بورنموث كشفت بعض الارتباك، ثم جاءت مواجهة نيوكاسل لتؤكد القلق، حين فشل اللاعب المجري في القفز لمواجهة الكرة العالية التي سجل منها برونو غيماريش هدفاً برأسية سهلة عند القائم البعيد.
ولاحظ خصوم ليفربول أن هذا الضعف يمكن استغلاله بسهولة. أمام إيفرتون، على سبيل المثال، كثّف لاعبو ديفيد مويس هجماتهم من الجهة اليمنى، وأرسلوا الكرات العرضية نحو كيركيز الذي بدا عاجزاً عن مراقبة المساحة خلفه. إحداها تحولت إلى هدف بعد أن مرّر إليمان نداي الكرة برأسه لإدريسا غاي الذي أكملها بتسديدة مباشرة. ورغم أن كيركيز نجح لاحقاً في إبعاد كرتين مماثلتين في الدقائق الأخيرة، فإن الصورة العامة ظلت مقلقة: ظهيران يسهل اختراق منطقتهما بالقفز فوقهما، أو خلفهما.
صحيح أن طول كيركيز (180 سم) ليس قصيراً نسبياً، لكن مشكلته تتعلق بالتمركز والتوقيت أكثر من القدرات البدنية. سلوت يدرك أن إصلاح هذه التفاصيل بات ضرورة ملحّة قبل أن تتحول إلى سمة دائمة في أداء الفريق.
حين نُمعن النظر في جذور هذه الثغرة، نكتشف أن العرضيات التي تصل إلى القائم البعيد تأتي أساساً بسهولة مفرطة من الجهة اليمنى، أي من الطرف المقابل. في نظام سلوت الجديد، يلعب ليفربول أحياناً بخطة 3-3-4 مرنة أثناء الضغط، أو التراجع، ما يسمح لمحمد صلاح بالبقاء في مواقع هجومية متقدمة دون التزام كامل بالعودة الدفاعية. لكن هذا الترتيب يترك الظهير الأيمن مكشوفاً في مواجهة الجناح الخصم، وهو ما حدث مراراً في الأسابيع الماضية.
كونور برادلي كان واحداً من الضحايا، إذ استغل تشيلسي ضعف الدعم خلفه عبر تعليمات واضحة من مدربه إنزو ماريسكا. وقد كشف كوكوريّا بعد المباراة سرّ الخطة قائلاً لشبكة «سكاي سبورتس»: «حاولنا الهجوم دائماً لأننا نعرف أن صلاح يتقدم كثيراً في الهجمات المرتدة، والمدرب قال إن المساحة ستكون هناك، وقد رأيناها بوضوح في الهدف الأخير».
تعدد الأسماء التي لعبت في مركز الظهير الأيمن زاد الطين بلة. فقد استخدم سلوت خمسة لاعبين مختلفين هناك منذ بداية الموسم: جيريمي فريمبونغ، برادلي، دومينيك سوبوسلاي، جو غوميز، وواتارو إندو، دون أن يستقر على اسم ثابت. ونتيجة لذلك، بات المحللون في الأندية المنافسة يدركون أين يوجّهون ضرباتهم: نحو الجبهة اليمنى لليفربول التي شهدت 38 في المائة من لمسات الخصوم الهجومية هذا الموسم.
في مباراة تشيلسي الأخيرة، لعب سوبوسلاي باعتبار أنه ظهير أيمن، بينما شغل رايان غرافنبرخ مركز قلب الدفاع الأيمن، ما جعل الخط الخلفي غير متجانس. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على الجهة المقابلة التي يتحملها روبرتسون. وبينما كان يفترض أن تساعد خطة 4-3-3 المتدرجة على توفير تغطية أفضل في الجانب الأيمن، فإن التطبيق العملي أظهر عكس ذلك تماماً، إذ استغل البلوز المساحات نفسها التي كانت موضوع نقاش داخل ليفربول منذ أسابيع.
لا شك أن كثرة التدوير في المراكز الدفاعية أربكت الانسجام، لكن فترة التوقف الدولي منحت سلوت فرصة لمراجعة أدق تفاصيل المنظومة. فالمدرب الهولندي يعلم أن معالجة مشكلة القائم البعيد لا تقتصر على تحسين تموضع المدافعين، بل تبدأ من الجهة المقابلة: من إغلاق مصادر العرضيات قبل أن تُرسل أصلاً.
ليفربول هذا الموسم لا يعاني من نقص في الجودة، بل من خلل في التنظيم الدفاعي بين الجبهتين. فحين تُترك المساحة للخصم كي يرسل الكرات من اليمين بحرية، يصبح من شبه المستحيل على المدافعين في الجهة اليسرى التعامل مع سيل العرضيات المتأخرة. تلك هي المعضلة التي على أرني سلوت حلّها سريعاً إذا أراد فريقه أن يستعيد توازنه في سباق الدوري، قبل أن تتحول نقطة ضعفه في القائم البعيد إلى جرحٍ مفتوح يحدّد مسار موسمه بأكمله.