سطر المنتخب السعودي الأول لكرة القدم فصلًا جديدًا في تاريخه الكروي، بعدما حجز بطاقة التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026 للمرة السابعة في تاريخه، ليواصل حضوره العالمي كأحد أبرز المنتخبات الآسيوية والعربية، بعد سلسلة طويلة من المحطات المفصلية التي صنعت الفارق في رحلة «الأخضر» نحو المونديال.
البداية كانت بقرار إقالة المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني بعد بداية متعثرة، حيث تعادل المنتخب مع إندونيسيا والبحرين، وفاز على الصين، وخسر أمام اليابان، وهو ما وضعه في موقف صعب، ليتخذ اتحاد الكرة في 24 أكتوبر 2024 قرارًا بإبعاد مانشيني الذي لم يكن أسلوبه الدفاعي يحظى بالقبول. وبحسب صحيفة «Correire Della Sera» الإيطالية، كلف هذا القرار الاتحاد السعودي 50 مليون يورو كشرط جزائي. وكان مانشيني قد قاد الأخضر في 18 مباراة، فاز في 7 منها، وتعادل في 6، وخسر 5، كما سجَّل الفريق تحت قيادته 24 هدفًا واستقبلت شباكه 18 هدفًا.
بعد ثلاثة أيام من إبعاد مانشيني، أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم التعاقد مع الفرنسي هيرفي رينارد، الذي سبق وأن درب «الأخضر» من 2019 حتى 2023. وخاض رينارد مع المنتخب السعودي 41 مباراة في تصفيات كأس العالم وكأس العالم وكأس الخليج، حقق خلالها 20 انتصارًا و10 تعادلات و11 خسارة، وهو ما جعله الخيار الأفضل في تلك المرحلة.
وكان أول قرار يتخذه رينارد بعد عودته هو إعادة اللاعبين الذين سبق وأن أبعدهم مانشيني، فقبل مباراته الأولى أمام أستراليا استدعى المدرب الفرنسي سلمان الفرج قائد المنتخب، ومعه الحارس نواف العقيدي وسلطان الغنام، وكان هذا القرار إعلانًا عن بدء صفحة جديدة للمنتخب، بعيدًا عن تبعات فترة مانشيني.
سافر المنتخب السعودي إلى ملبورن وهو يحتل المركز الثالث برصيد خمس نقاط خلف اليابان وأستراليا، وعاد بنقطة لم تغير الكثير في سلم الترتيب، لكنها كان لها تأثير مختلف، إذ ظهر المنتخب السعودي فنيًا بشكل أفضل وبطريقة أكثر سلاسة، والأهم أنه حافظ على فرصه أمام منتخب قوي وعلى أرضه وبين جماهيره، ولاحقًا أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم تجديد عقد المدرب الفرنسي هيرفي رينارد حتى عام 2027.
وانتظر المنتخب السعودي حتى العشرين من مارس ليحقق فوزه الأول مع رينارد، وذلك بهدف حاسم سجله سالم الدوسري أمام الصين على ملعب الأول بارك، هذا الفوز جاء بعد تعادلين مع البحرين وأستراليا وخسارة من إندونيسيا، ليعيد الثقة إلى صفوف المنتخب ويوجّه بوصلته التي كانت تائهة.
بعد ذلك واجه الأخضر مستضيفه اليابان، في طوكيو بفرص شبه معدومة أمام المنتخب الأقوى الذي كان قريبًا من التأهل المبكر، لكن الخروج من ملعب سايتاما بنقطة ثمينة بعد مباراة كان المنتخب يستحق الفوز فيها، زاد من ثقة اللاعبين في أنفسهم وجعلهم أكثر إيمانًا بقدرتهم على التأهل.
وخاض المنتخب السعودي تجربة جديدة، وشارك في بطولة الكونكاف، والتي كانت فرصة مثالية لرينارد ليعد لاعبيه ويكتشف أسماء جديدة، حيث وصل الفريق إلى ربع النهائي قبل أن يخسر من المكسيك، لكنه أظهر توازنًا فنيًا واضحًا، إذ فاز على هايتي وخسر من أمريكا ثم تعادل مع ترينيداد وتوباجو، وكشفت البطولة عن أسماء جديدة للمنتخب مثل مروان الصحفي وزياد الجهني، وأعادت الثقة بفراس البريكان ونواف العقيدي.
وواجه الأخضر، البحرين في المنامة، وانتصر بهدفين دون رد سجلهما، مصعب الجوير وعبد الرحمن العبود، الفوز الذي مهد الطريق للعبور، فمع أنه خسر المحطة الأخيرة أمام أستراليا، إلا أن فوزه على البحرين منحه التصنيف الأعلى في المجموعة، ما مكنه من استضافة تصفيات الملحق الحاسمة والاستفادة من دعم الجمهور الكبير، حيث حضر 60 ألف مشجع مباراة العراق، وهو أمر لم يكن ليتحقق لولا ذلك الفوز في المنامة.
وبأهداف صالح أبو الشامات وفراس البريكان، خطف المنتخب السعودي فوزه الأول في تصفيات الملحق بثلاثية منحت الأخضر الأفضلية في مباراة العراق الحاسمة، وجعلت التعادل كافيًا للتأهل، وهو ما حدث في نهاية المباريات، ولم يكن المنتخب الإندونيسي خصمًا سهلًا، إذ كان يضم لاعبين تبلغ قيمتهم السوقية 29.6 مليون يورو، ولا تقل عن قيمة لاعبي المنتخب السعودي سوى بـ400 ألف فقط.
وفي مواجهة العراق الحاسمة وقبل ثوانٍ من نهاية المباراة وبعد انتهاء الوقت بدل الإضافي الذي احتسبه الحكم، أرسل حسن عبد الكريم كرة صعبة تجاوزت حائط الصد وكانت في طريقها للشباك، إلا أن نواف العقيدي حارس مرمى الأخضر انقض عليها كالصقر وأبعدها بصعوبة، مانحًا الأخضر بطاقة التأهل، المفارقة أن العقيدي كان قبل ستة أشهر فقط يتابع انطلاقة الأخضر في التصفيات من منزله بعد أن استبعده المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني، لكنه في الأمس تحول إلى بطل قومي.
