
في خطوة دبلوماسية لافتة، زار وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لبنان الأسبوع الفائت، في أول زيارة من نوعها منذ تغيّر النظام في دمشق. هذه الزيارة حملت إشارات قوية، حيث فُتحت ملفات كانت مغلقة لسنوات، وأشارت إلى رغبة مشتركة في إعادة رسم العلاقات التي شهدت توتّرات وإهمالًا للعديد من القضايا العالقة على مدى أكثر من عشر سنوات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل هذه الزيارة عابرة، أم هي علامة مؤثرة لبداية مرحلة جديدة
لا شكّ أن هذه الزيارة حملت الكثير من الدلالات حول شكل العلاقات بين البلدين، فتعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني–السوري بعد نحو ٣٤ عامًا، يعني أن الاتصالات بين الجانبين ستأخذ الطابع الرسمي الذي سيُحصر من خلال السفارات، وهذا تحوّل مهم في صيغة العلاقات. كما أن التباحث في ملفات حساسة مثل ترسيم الحدود، قضايا المفقودين والمعتقلين، والتعاون القضائي، والأمن الحدودي، واليد العاملة السورية، وأيضًا التعاون الاقتصادي، يُعدّ هذا أيضًا تحوّلًا كبيرًا بعد أن كان مجرّد إثارة مثل هذه المواضيع من المحرّمات في السنوات السابقة.
لكن، رغم كل ما سبق من مؤشرات إيجابية، هناك من يرى أن الزيارة قد تبقى ضمن إطار “الاستكشاف”، وليس بالضرورة أنها تترسّخ إلى تحوّل دائم، لأسباب متعددة:
فالزيارة لم تشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري، رغم أهميته السياسية في لبنان، ما يعطي مؤشّرات بأن التنسيق أو الشراكة السياسية العميقة لا تزال غير مكتملة الأوصاف، وأن هذه الزيارة لا تزال حتى الآن إشارة سياسية أكثر من كونها نقطة تحوّل فعلية. فالخطاب كان تصالحيًا، والنية مُعلنة لتجاوز حقبة الماضي، لكن تثبيت العلاقات يحتاج إلى خطوات تنفيذية ملموسة، خاصة في ظل بيئة سياسية داخلية هشّة في لبنان، وضغوط إقليمية ودولية تحاصر دمشق.
وفي حال كانت هناك نوايا صادقة من الجانبين، فإن نجاح هذه الزيارة في التأسيس لمرحلة جديدة مرهون بعدة عوامل، منها: الترجمة العملية الفورية للنيّات عبر تشكيل لجان مشتركة وتطبيق تفاهمات واضحة، إضافة إلى توفير مظلة سياسية داخلية في لبنان تضمن دعم المسار الجديد وعدم تحويله إلى مادة خلافية، وكذلك العمل على إعادة بناء الثقة الشعبية والمؤسساتية بين البلدين بعد سنوات من الفتور والشكوك.
فإذا توفّرت هذه الشروط، يمكن القول إنّنا أمام تحوّل حقيقي في العلاقة. أمّا إذا بقيت الخطوات في إطار الاستكشاف والمجاملات، فإن الزيارة ستبقى في إطار المحاولات العابرة، لا أكثر ولا أقل.