حسين زلغوط,

خاص “رأي سياسي”:
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وإن بشكل غير رسمي بعد، بدأت العجلة السياسية، لا سيّما في المناطق المسيحية، تأخذ طابعًا انتخابيًا واضحًا. من المتن الشمالي إلى معراب، بدأت الصورة تتوضّح تدريجيًا: الاصطفافات يُعاد رسمها، الحلفاء يُعاد اختبارهم، والخصوم يتحضّرون لمعركة قاسية على الأرض المسيحية، عنوانها التمثيل والشرعية الشعبية في مرحلة سياسية دقيقة.
في المتن الشمالي، وجّه النائب إبراهيم كنعان، أبرز وجوه التيار الوطني الحر السابقين في القضاء، إشارة انطلاق السباق الانتخابي من خلال عشاء سياسي – اجتماعي – انتخابي جمع حلفاء وأصدقاء ومناصرين، في عرضِ قوّة داخلي لا يخلو من الرسائل.
فالرسالة الأولى كانت داخل البيت العوني، حيث برز كنعان كلاعبٍ مستقل داخل التيار، وإن لم يخرج عنه رسميًا، في ظل توتراتٍ متصاعدة بينه وبين القيادة الحزبية برئاسة النائب جبران باسيل، حيث إن العلاقة بين الرجلين تمرّ ببرودةٍ شديدة منذ سنوات تصل إلى حدّ المقاطعة، وتفاقمت إثر الانتخابات الأخيرة وما تلاها من تهميشٍ سياسي لمن يُوصفون بـ”العونيين السياديين” داخل التيار، وبينهم كنعان، وبالتالي، بدا العشاء وكأنه محاولة لتأكيد الحضور الشعبي والسياسي لكنعان بعيدًا عن المزاج الحزبي المركزي، و”تسخين” الأرض المتنية على إيقاع معركةٍ مبكرة قد لا تكون في اتجاهٍ واحد.
أما الرسالة الثانية، فكانت إلى خصوم كنعان في القضاء وخارجه، لا سيّما حزب القوات اللبنانية، بأن الرجل لا يزال “بيضة القبان” في المعادلة المتنية، رغم كل التحولات.
وفي معراب، كان الحراك القواتي لا يقلّ أهمية ووضوحًا، فرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أطلق عمليًا المرحلة التمهيدية للانتخابات عبر سلسلة لقاءات داخلية وتحركات تنظيمية، يرافقها تصعيد سياسي موجّه ضد التيار الوطني الحر وحلفائه. فالصراع بين القوات والتيار بلغ ذروته في السنوات الماضية، خصوصًا بعد انهيار اتفاق معراب، وقد تكرّس كتنافس دائم على الشارع المسيحي، وعلى من يمثل “الصوت السيادي” الحقيقي، إذ إن القوات تعتبر أن التيار أضاع البوصلة السياسية، بتحالفه المتكرر مع حزب الله، وتغطيته لعهد ميشال عون الذي تعتبره أحد أسباب الانهيار. وفي المقابل، يرى التيار في القوات طرفًا “مناورًا”، يسعى للاستفادة من تراجع شعبية التيار لتوسيع حضوره الانتخابي، من دون أن يقدّم بديلًا واضحًا على مستوى الحكم أو الخيارات الوطنية.
هذا الانقسام العمودي بين الفريقين، لا يُنتظر أن يخفّ، بل على العكس، تشير الوقائع إلى أنه سيتعمّق مع اقتراب موعد الانتخابات، خاصة إذا استمرت محاولات كل طرف لاجتذاب شخصيات محسوبة على المجتمع المدني أو “المستقلين الجدد”.
واللافت أن المشهدين في المتن ومعراب يتقاطعان في التوقيت والمضمون: كلا الطرفين يدرك أن الساحة المسيحية مقبلة على متغيرات، وأن التوازنات التي أفرزتها انتخابات 2018 و2022 قد لا تبقى على حالها في العام 2026. فالتراجع الشعبي لبعض القوى، وارتفاع منسوب الاعتراض داخل البيئات التقليدية، يفرض البحث عن وجوه جديدة، وتحالفات جديدة، وربما خطاب جديد.
ويبدو أنه من الآن، خطوط التماس الانتخابي تتبلور، فالخلاف داخل التيار الوطني الحر مرشّح للاتساع، وقد تكون له تداعيات على تشكيل اللوائح وتحالفات الحزب. وفي المقابل، فإن الصدام المفتوح بين التيار والقوات يتخذ طابعًا وجوديًا في الشارع المسيحي، على وقع الانهيار السياسي والاقتصادي.
صحيح أن المعركة الانتخابية بدأت، لكن نهايتها لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.