
في مشهد يتكرر منذ أكثر من عقد، عادت إسرائيل لتمنع أسطولًا إغاثيًا من عدة دول من الوصول إلى قطاع غزة المحاصر، مثيرة موجة من ردود الفعل الدولية المتباينة، تتراوح بين الإدانات الخجولة والمواقف الضبابية، وسط صمت مريب من القوى الكبرى.
لقد قامت البحرية الإسرائيلية باعتراض أسطول السفن الصغيرة الذي كان متجهاً إلى غزة في محاولة رمزية لفك الحصار، حيث كانت السفن تحمل على متنها مساعدات طبية وغذائية، إلى جانب متضامنين دوليين، وقد تمت عملية الاعتراض في المياه الدولية، الأمر الذي يعتبر انتهاكاً صارخاً لحرية الملاحة الدولية، خاصة أن السفن لم تكن مسلحة ولم تُظهر أي تهديد.
ومع أن هذه الخطوة ليست جديدة، إذ سبقتها حادثة “أسطول الحرية” في عام 2010 والتي أسفرت عن مقتل عشرة ناشطين أتراك، فإن الرد الدولي هذه المرة بدا أكثر فتورًا على عكس مواقف الشعوب، ما فتح الباب لتساؤلات جدية حول مدى التزام المجتمع الدولي بحماية القوانين الإنسانية، وموقفه من الحصار الإسرائيلي الطويل.
ورغم أن بعض الدول الأوروبية أعربت عن قلقها إزاء منع وصول المساعدات، واكتفى الاتحاد الأوروبي بالمطالبة بـ”ضمان وصول المساعدات الإنسانية”، إلا أن تلك التصريحات بدت أقرب إلى محاولات تجنب الإحراج السياسي منها إلى ضغوط حقيقية على إسرائيل.
هذه الحادثة تعكس حالة صارخة من ازدواجية المعايير في التعاطي الدولي مع قضايا حقوق الإنسان، حيث يُسمح لإسرائيل بفرض حصار شامل على أكثر من مليوني إنسان، بذريعة “الأمن”، بينما تُواجه أي محاولات لكسره باتهامات بـ”التحريض” أو “دعم الإرهاب”.
ويبدو أن غياب الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي في إلزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية، ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194، وقرار مجلس الأمن 242، قد شجع تل أبيب على المضي قدماً في سياساتها دون رادع.
فالحصار المفروض على غزة لم يعد مجرد قضية فلسطينية، بل أصبح اختباراً حقيقياً لمصداقية النظام الدولي، ولقدرته على حماية المبادئ الإنسانية عندما تتعارض مع مصالح القوى الكبرى.