في بلد اعتاد أن يكون على فوهة بركان سياسي دائم، جاءت عاصفة “صخرة الروشة” السياسية لتعيد خلط الأوراق مجددًا، قبل أن تبدأ بالانحسار تدريجيًّا، تاركةً وراءها مشهدًا مشحونًا بالأسئلة أكثر من الإجابات، وسط أجواء لبنانية لا تزال تختزن الكثير من التوتر الكامن تحت رماد الهدوء الحذر.
فما الذي جرى؟ وكيف يمكن قراءة خلفيات هذه العاصفة؟ ولماذا انحسرت سريعًا؟
بدأت الأزمة عندما تحوّلت “صخرة الروشة”، أحد أبرز معالم بيروت السياحية، إلى مسرحٍ لصراع رمزي حاد، بعد رفع صور للأمين العام السابق لحزب الله الشهيد حسن نصرالله، وأعلامٍ حزبية أثارت حساسية سياسية وطائفية، وانقسم اللبنانيون بين من رأى في الخطوة تعبيرًا عن حرية الرأي، ومن عدّها استفزازًا مقصودًا لرمزية وطنية أو دينية.
لكن سرعان ما تدخلت القوى السياسية، كلٌّ من موقعه، لتصعيد الخطاب أو التهدئة بحسب مصالحه اللحظية. ومن منصةٍ إلى أخرى، ومن تغريدةٍ إلى بيان، تضخم الحدث إعلاميًّا وسياسيًّا، حتى بدت “الصخرة” وكأنها اختُطفت لتصبح منصةً لتسجيل نقاط في صراع داخلي أوسع.
وكما اشتعلت العاصفة بسرعة، بدأت تنحسر بوتيرةٍ أسرع، وذلك لعدة أسباب:
أولًا: الخشية من الانفلات الشعبي:
إذ مع تصاعد الاحتقان، بدأ الشارع يخرج عن السيطرة، وهو ما أرعب الجميع، خصوصًا أن أي احتكاك كان يمكن أن يشعل فتيل أزمة أوسع، في ظل هشاشة الوضع.
ثانيًا: الضغوط الداخلية والخارجية:
بحسب مصادر سياسية مطلعة، لعبت اتصالات دولية ومحلية دورًا في التهدئة، عبر رسائل واضحة بأن التصعيد في ملفات رمزية لن يكون لصالح أي طرف.
ثالثًا: تعب الناس من “سياسة الصدمات”:
فالشارع اللبناني، المنهك اقتصاديًّا واجتماعيًّا، لم يعُد يتفاعل بالحماسة السابقة مع كل حدث مفاجئ أو مستفز، بل بات أقرب إلى اللامبالاة، وهو ما أضعف زخم العاصفة منذ بدايتها.
وإذا كانت هذه الحادثة قد انتهت على المستوى الإعلامي، فإن دلالاتها الأعمق لا تزال قائمة.
ففي الجوهر، تعكس “عاصفة الروشة” استمرار أزمة الهوية الوطنية في لبنان، ومحاولة كل طرف سياسي توظيف الرموز المشتركة لخدمة أجندته الخاصة.
إن صخرة الروشة، التي واجهت على مر السنين عوامل التعرية الطبيعية وصمدت، أصبحت اليوم مرآةً لصراعات سياسية غير طبيعية، تُعبّر عن بلد لا يزال عاجزًا عن التفاهم على رواية موحدة لتاريخه، أو حتى لمعالمه.
في النهاية، تبقى صخرة الروشة، الصامدة في وجه الأمواج، رمزًا لصمود بيروت ولبنان، ولكنها تذكّرنا أيضًا بأن الصمود وحده لا يكفي… بل لا بد من مشروع وطني يليق بتاريخ هذا البلد وتنوعه.