تقترب بريطانيا من إبرام شراكة طال انتظارها مع جرينلاند في مجال المعادن الحيوية، وفقاً لما نقلته “بوليتيكو” عن 3 مصادر مطلعة على الخطط.
وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر فقط من تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بضم الجزيرة القطبية، التي يُنظر إليها على نحو متزايد كلاعب جيوسياسي مهم بفضل احتياطاتها الضخمة من معادن الأرض النادرة.
وتضم تضاريس جرينلاند الجليدية 40 من أصل 50 معدناً تعتبرها الولايات المتحدة حيوية لأمنها القومي، وتشمل هذه الموارد من اليورانيوم إلى الجرافيت، مواد أساسية في التصنيع وسلاسل الإمداد العالمية.
وحددت واشنطن جرينلاند، الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي والتابع للدنمارك، كثقل موازن محتمل للغرب في مواجهة هيمنة الصين على سوق المعادن النادرة.
وفي الوقت نفسه، تتطلع بكين وموسكو أيضاً إلى الاستفادة من الثروات غير المستغلة للجزيرة، وبحسب المصادر التي تحدثت لـ”بوليتيكو”، فإن الاتفاق البريطاني بات قريباً من الإعلان.
وكانت حكومات بريطانية سابقة قد درست بدورها إمكانية إبرام شراكة معدنية مع جرينلاند.
ومن المنتظر أن يوقّع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الاتفاق هذا الأسبوع خلال زيارته إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاجن للمشاركة في قمة “المجتمع السياسي الأوروبي”.
وقال مصدر مطلع، طالباً عدم الكشف عن هويته لمناقشة المفاوضات، إنه “يتوقع أن يتجاوز الاتفاق مجرد المعادن الحيوية”.
وكان وزير التجارة البريطاني كريس براينت قد ألمح في وقت سابق هذا الأسبوع إلى خطط لبدء مفاوضات تجارية جديدة مع دولة لم يُفصح عنها، مضيفاً:”ما زلت أرغب في إبرام مزيد من اتفاقيات التجارة الحرة، وسنعلن شيئاً ما في وقت لاحق من الأسبوع يتعلق بدولة أخرى”.
ورفض متحدث باسم وزارة الأعمال والتجارة البريطانية التعليق مباشرة على الاتفاق، لكنه أكد لـ”بوليتيكو”، أن “تأمين إمداداتنا من المعادن الحيوية أمر أساسي لاستراتيجيتنا الصناعية ونمونا الاقتصادي، وانتقالنا إلى الطاقة النظيفة”.
“الخيار المنطقي”
وقال سام لو، الشريك في شركة “فلينت جلوبال” الذي سبق أن زار جرينلاند: “من حيث المبدأ، تبدو جرينلاند خياراً منطقياً لتنويع مصادر المعادن؛ بسبب ثرائها بالموارد الطبيعية، لكن في الواقع تبقى تكاليف استخراج هذه الموارد، سواء المالية أو البيئية، باهظة للغاية في معظم الحالات”.
وأضاف سام لو، أن هناك “نمطاً واضحاً” في هذا المجال، مشيراً إلى اتفاق الشراكة الذي وقعته المفوضية الأوروبية مع جرينلاند عام 2023 لتطوير سلاسل توريد مستدامة للمواد الخام.
وأكد باتريك شرودر، الباحث في مركز البيئة والمجتمع التابع للمعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، أن بريطانيا ستحتاج للتشاور ليس فقط مع الدنمارك بل أيضاً مع شركائها الأوروبيين لتفادي أي توتر.
وتابع: “من المهم للغاية أن تنخرط المملكة المتحدة مع الدول الأوروبية الأخرى، خصوصاً دول الشمال والدنمارك، حتى لا يُنظر إلى الأمر وكأن بريطانيا تحاول التفوق على أوروبا في الوصول إلى هذه المعادن”.
وكحال واشنطن، تسعى بروكسل بدورها لتأمين موقع استراتيجي في جرينلاند، إذ أبدى وزير خارجية الجزيرة مؤخراً اهتماماً بتعميق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، معتبراً ثرواتها المعدنية محوراً رئيسياً للتعاون.
تحديات أمام الاتفاق
ويتعين أن يخدم الاتفاق مصالح كل من بريطانيا وجرينلاند، والأهم من ذلك مصالح المجتمعات الأصلية في الجزيرة.
وأشار شرودر إلى جانبين أساسيين ستدقق فيهما جرينلاند، الأول هو الأثر البيئي، إذ إن استخراج المعادن النادرة “يستهلك كميات كبيرة من المواد الكيميائية السامة، وينتج عنه نفايات مشعة”، مضيفاً:”سيكون من المهم جداً أن تضمن بريطانيا أن الشركات المنفذة لعمليات التعدين تلتزم بأعلى المعايير البيئية”.
أما الجانب الثاني فيتعلق بمشاركة المجتمعات الأصلية، فقد سبق لحكومة جرينلاند أن ألغت ترخيص شركة أسترالية للتنقيب عن اليورانيوم؛ بسبب المخاوف من النفايات المشعة والأضرار البيئية، وأي اتفاق جديد يجب أن يتجنب تكرار تلك الأخطاء.
غير أن الاتفاق قد يمثل أيضاً فرصة سياسية لجرينلاند، فالدنمارك تقدم حالياً منحة سنوية للجزيرة، لكن هذا الدعم يتقلص كلما زادت إيراداتها من المعادن.
وأوضح شرودر أن المنحة “تمنح الدنمارك تأثيراً أكبر على القرارات السياسية، ولذلك ترغب جرينلاند أيضاً في الاستفادة أكثر من التعدين كمصدر للإيرادات، ما يعزز استقلالها عن الميزانية الدنماركية”.
ولم ترد سفارة الدنمارك في لندن على طلب من “بوليتيكو” للتعليق.
الخطوات المقبلة
وأشار شرودر إلى أن استخراج المعادن ليس سوى الخطوة الأولى قائلاً: “المرحلة التالية هي التكرير، والسؤال المطروح هو: هل يشمل الاتفاق جانباً آخر غير الاستخراج؟”.
فبعد استخراج المعادن الحيوية، يجب تكريرها للحصول على الأكاسيد والمعادن عالية النقاء اللازمة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، ويتركز معظم هذا التكرير حالياً في الصين.
وقال شرودر: “الكثير من عمليات التكرير موجودة أيضاً في الصين، وإذا لم تكن هناك خطة بديلة، فستظل سلاسل الإمداد مرتبطة بالصين، لذا سيكون من الضروري التفكير في مرحلة ما بعد التعدين، أي النقل والتكرير والمعالجة في دول أخرى في القطب الشمالي”.