
مرّ عامٌ على آخر جولة من الحرب الإسرائيلية على لبنان، إلا أن لهيبها لا يزال متوهجًا في الجنوب، لا بالكلام السياسي فقط، بل بالدم والنار والدخان.
وعلى الرغم من اتفاق هدنة رعته أميركا وفرنسا، لم يعرف الجنوب اللبناني إلى الآن طعم الاستقرار الحقيقي. الاعتداءات الإسرائيلية اليومية باتت عنوانًا دائمًا في التقارير الميدانية، فيما يقف المواطنون على حافة الخوف، في انتظار المجهول، حيث تشهد المناطق الجنوبية أرقاما قياسية من الخروقات الإسرائيلية جوًا وبرًا وبحرًا أرقامًا، حيث لا تكاد تمضي 24 ساعة من دون تحليق للطيران الحربي الإسرائيلي فوق المدن والقرى، أو قصف من المسيرات يستهدف مدنيين ومواقع محددة يُقال إنها لحزب الله، أو حتى محاولات توغل محدودة داخل الأراضي اللبنانية.
وبين التصعيد والحسابات الإقليمية
التوتر في الجنوب لا يمكن فصله عن المشهد الإقليمي الأوسع. فالحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس في غزة، جعلت من لبنان ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات، حيث يرى مراقبون أن أي مواجهة مقبلة بين حزب الله وإسرائيل قد تكون أوسع وأكثر دموية، بل وربما تحمل طابعًا إقليميًا يتجاوز الساحة اللبنانية.
وتعكس تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتكررة خشية تل أبيب من “الجبهة الشمالية”، حيث تشير تقديرات عسكرية إسرائيلية إلى أن حزب الله ما زال يملك قدرات صاروخية كبيرة، وأنه استغل فترة ما بعد الحرب الأخيرة فأعاد تموضعه واستعداداته.
وفي خضم هذه الحسابات الأمنية والعسكرية، يبقى المدنيون في الجنوب هم الحلقة الأضعف. قرى مثل مارون الراس، بنت جبيل، عيترون، وعلما الشعب، وغيرها من القرى الامامية، وحتى في عمق الجنوب تعيش تحت وطأة القلق الدائم، فيما الحكومة المنشغلة بأزماتها السياسية والاقتصادية المتتالية، تكتفي بتقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن عبر وزارة الخارجية، مع تأكيد دائم على تمسك لبنان بقرارات الشرعية الدولية، لا سيما القرار 1701. لكن هذه المواقف لا تمنع الخروقات ولا تحمي الجنوب.
وفي المقابل، تطالب جهات داخلية وخارجية الدولة اللبنانية ببسط سلطتها الكاملة على الجنوب ونزع سلاح حزب الله، وهو ما ترفضه قوى سياسية أساسية ترى أن المقاومة ما زالت ضرورة في ظل الاحتلال والخطر الإسرائيلي المستمر.
إلى أين؟
السؤال الذي يشغل بال اللبنانيين اليوم ليس ما إذا كانت الحرب ستقع، بل متى وكيف. فمع استمرار الاعتداءات اليومية، والانفلات الإقليمي، يبدو أن الجنوب يقف على فوهة بركان، والانفجار إن حصل لن يكون كسابقه.
وفي ظل غياب أي مبادرة دولية جدية لنزع فتيل الأزمة، تبقى الأيام المقبلة مفتوحة على كل السيناريوهات، من التصعيد المحدود، إلى الحرب الشاملة.