“أخبار 24” تسرد سير رجال حول الملك عبدالعزيز بمناسبة اليوم الوطني
استند الملك عبدالعزيز في مرحلة توحيد المملكة على العديد من الرجال، ساهموا معه في توطيد دعائم البلاد، وعلى رأس هؤلاء أخوه الأمير محمد بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، الذي رافقه طوال مرحلة التوحيد فخاض معه المعارك ووحّد الدولة وكان مستشاره وشريكه في الحلم والطموح.
مولده ونشأته
وُلد الأمير محمد في الرياض سنة 1878م، ونشأ في كنف والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل آخر حكام الدولة السعودية الثانية، ومعه تشرّب الفروسية والشجاعة منذ نعومة أظفاره، ونشأ بجوار إخوته، وعلى رأسهم الملك عبدالعزيز، في أجواء مليئة بالترحال والمحن التي مرت بها العائلة إثر الأحداث السياسية آنذاك.
بدأ مسيرته في ظروف صعبة، إذ عاصرت العائلة فترات شتات وقسوة صاغت منه شخصية قوية وصلبة، وعندما اضطر والده إلى الخروج مع أبنائه من الرياض إلى الكويت سنة 1890م، ذاق مرارة الغربة، ولكن هذه التجربة أكسبته حنكة وخبرة سياسية مبكرة أهلته ليكون مرافقاً وسنداً لأخيه الأكبر عبدالعزيز.
ارتبط الأمير محمد بن عبدالرحمن بأخيه الملك عبدالعزيز بعلاقة أخوة وصداقة وإخلاص، إذ كان الفارق العمري بينهما أقل من سنة، وتلقيا معاً دروس الحياة القاسية، حيث عاشا مشاق الشتات والتنقل بين أطراف الجزيرة، اتسم الأمير محمد بالهدوء والحكمة، وكان صاحب رأي سديد في المشورة، كما برع في حل المشكلات الداخلية ضمن العائلة، الأمر الذي منحه مكانة تميزت بالاحترام بين أفراد الأسرة المالكة وعامة الناس.
على الصعيد الشخصي، اتصف الأمير محمد بالكرم والشجاعة، وذاع صيته بين أهل نجد والبادية، وكانت قصوره خاصة في حي “عتيقة” جنوب الرياض ملتقى للضيوف والزوار والمحتاجين. أحبّ الفروسية وكان يدرب أبناءه وأبناء العائلة على قيم البطولة والكرم، وكان أيضاً رجل دولة من الطراز الأول، جمع بين الدِّين والسياسة، وبين الحكمة والبأس.
دوره في توحيد المملكة
يبرز الأمير محمد بوصفه “الرجل الثاني” في مرحلة توحيد الدولة السعودية الثالثة، حيث كان عين وساعد أخيه الملك عبدالعزيز في كل المعارك الكبرى، فقد شارك في “معركة الصريف” و”معركة استرداد الرياض” عام 1902م، وكان خلالها قائد المجموعة المساندة التي طلب منهم الملك عبدالعزيز انتظار إشارته لإسناده في الهجوم على قصر المصمك.
استمرت مشاركات الأمير محمد مع أخيه في أغلب المواجهات الهامة، ومنها معركة “روضة مهنا” عام 1906، ومعركة “كنزان” 1915 التي فقد فيها أخوه الأمير سعد بن عبدالرحمن، وكذلك معركة “تربة” 1919م، ومعركة توحيد جبل شمر، وكان له دور قيادي في حصار جدة وفتحها، وكان الأمير محمد دوماً في صدر الصفوف الأولى في المعارك الحاسمة.
لم يقتصر دور الأمير محمد بن عبدالرحمن على الحروب فقط، فقد كلفه الملك عبدالعزيز أحيانًا بالبقاء بقوات في الرياض لتثبيت الحكم أو توفير قوة داعمة، أو إدارة المناطق الجديدة التي دخلت تحت سيطرة المؤسس، وقد ساعد هذا التوزيع الاستراتيجي للقوة على ترسيخ الحكم واستقرار المناطق الجديدة تحت سيطرة الدولة الناشئة.
علاقته بالملك عبدالعزيز
علاقة الأمير محمد بأخيه الملك عبدالعزيز اتسمت بالثقة والاحترام المتبادل، فقد اعتمد عليه الملك المؤسس في أصعب الظروف وأحرج المواقف العسكرية والسياسية، كان ناصحه الأول وشريكه في الرأي والحلم والألم والطموح، ويكفي أن الملك عبدالعزيز، حين قرر اختيار ولي للعهد بعد إعلان توحيد المملكة سنة 1932، كان ينوي أن يكلّف أخيه الأمير محمد بتولي المنصب، إلا أن الأخير أشار عليه أن تكون الولاية لابنه الأمير سعود (الملك سعود لاحقاً) حرصاً على وحدة الأسرة واستمرارية الاستقرار الداخلي.
حافظ الأمير محمد على وحدة الصف، وقام بدور بارز في مراسم مبايعة ولي العهد عام 1933م، مؤكداً على التلاحم والتماسك بين أفراد الأسرة الحاكمة، وقد وصفه الملك عبدالعزيز بأنه لم يعرف منه حساسية أو مخاصمة في حياته، وأنه كان خير معين له في كل معركة وموقف.
الوفاة
تُوفي الأمير محمد بن عبدالرحمن في عام 1943م عن عمر يناهز 64 عاماً، إثر إصابته بسكتة قلبية في قصره جنوب الرياض، وخرجت مدينة الرياض في جنازة مهيبة، تقديراً لدوره ومكانته، وظلّ اسمه يتردد في المجالس والقصائد بوصفه مثال الفروسية والعطاء.