المعادن الاستراتيجية والمساعدات العسكرية في صلب علاقة واشنطن وكييف
أعلنت أوكرانيا والولايات المتحدة عن إطلاق صندوق استثماري برأسمال أوّلي يبلغ 150 مليون دولار، خُصص لدعم مشاريع في مجالات الطاقة والبنية التحتية والمعادن. الصندوق جاء ثمرة اتفاق وُقّع في أبريل (نيسان) الماضي، يمنح واشنطن الأفضلية في الدخول إلى مشاريع استخراج المعادن النادرة بأوكرانيا، مثل الليثيوم والتيتانيوم والغرافيت.
تُعد هذه الموارد ذات أهمية استراتيجية لقطاعات صناعية عدة، من صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية إلى الصناعات الدفاعية. وترى كييف أن جذب الاستثمارات الأميركية والأوروبية في هذا المجال يمكن أن يسهم في إعادة إعمار اقتصادها الذي تضرر بشدة من الحرب.
رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا سفيريدينكو، أكدت أن الاتفاق «يُظهر ثقة الشركاء والتزامهم طويل الأمد»، فيما أوضحت مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية أن الهدف من الصندوق هو «تحفيز استثمارات القطاع الخاص والمساهمة في إعادة بناء البنية التحتية الحيوية».
لكنَّ مسار هذه المشاريع يواجه تحديات عديدة، أبرزها التهديدات الأمنية المباشرة المرتبطة بالحرب. ففي يوليو (تموز) الماضي، سيطرت القوات الروسية على أحد مناجم الليثيوم في منطقة دونيتسك، كما تقترب من مواقع أخرى تحتوي على رواسب التيتانيوم واليورانيوم. إلى جانب ذلك، تشير تقارير محلية إلى أن إجراءات الترخيص المعقدة ونقص المسوحات الجيولوجية المحدثة قد تعوق جذب المستثمرين.
آلية جديدة للتمويل العسكري
على الصعيد العسكري، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده ستتلقى نحو 3.5 مليار دولار من خلال آلية تعرف بـ«قائمة متطلبات أوكرانيا ذات الأولوية»، وهي أداة مالية تسمح لدول أعضاء حلف شمال الأطلسي (باستثناء الولايات المتحدة) بتجميع الأموال لشراء الأسلحة الأميركية وتزويد أوكرانيا بها.
زيلينسكي أوضح أن بلاده حصلت بالفعل على أكثر من ملياري دولار ضمن هذا البرنامج، وأن دفعة جديدة ستصل في أكتوبر (تشرين الأول). ومن المتوقع أن تشمل المساعدات المقبلة صواريخ «باتريوت» وذخائر «هيمارس»، من دون كشف تفاصيل إضافية حول الكميات أو مواعيد التسليم.
هذا الترتيب يعكس تغيراً في آلية الدعم الأميركي، حيث انتقلت واشنطن من تقديم مساعدات مباشرة كما في عهد الإدارة السابقة إلى نظام يعتمد على التمويل الأوروبي لشراء السلاح. وبذلك، تحافظ الولايات المتحدة على دورها كمزوّد رئيسي للأسلحة مع تقليل الأعباء المباشرة على ميزانيتها.
قدرات روسيا وأوكرانية متضاربة
في موازاة ذلك، شدد زيلينسكي على أن روسيا «لا تمتلك حالياً القدرة على شن هجمات واسعة النطاق»، مشيراً إلى الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدتها القوات الروسية خلال السنوات الثلاث الماضية. وقال زيلينسكي عبر منصة «إكس»: «أعتقد أنه حتى الآن، لا تمتلك روسيا القوة لشن هجمات واسعة النطاق»، مضيفاً أن خسائر روسيا كانت كبيرة لدرجة تمنعها من تنفيذ مزيد من العمليات العسكرية الكبرى.
وأوضح زيلينسكي أن روسيا كانت قد أعدت عمليات هذا العام على أربعة محاور هي: سومي ونوفوبافليفكا وبوكروفسك وزابوريجيا، لكنها لم تحقق نجاحات استراتيجية حاسمة. وأضاف: «لقد فشلت عملية سومي بالفعل، وتكبدت روسيا خسائر فادحة، خصوصاً في القوى البشرية، وأُعيد نشر قواتها إلى جبهات أخرى»، مشيراً إلى أن القوات الأوكرانية قد ألحقت خسائر إضافية بها هناك.
بدورها قالت وزارة الدفاع الروسية إن عسكرياً روسياً كبيراً أجرى جولة لتفقد مواقع القوات في أوكرانيا الأربعاء، وقال إن قوات موسكو تتقدم على جميع الجبهات، حيث تدور أعنف المعارك حول منطقة بوكروفسك. وقال الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس أركان القوات المسلحة الروسية لما تسميها موسكو «العملية العسكرية الخاصة»، إن القوات تحرز تقدماً في منطقة دونيتسك الشرقية، وهي النقطة المحورية في الصراع، وإلى الغرب في منطقتي زابوريجيا ودنيبروبتروفسك.
ونقلت وزارة الدفاع عن غيراسيموف قوله: «تتقدم قواتنا في منطقة العملية العسكرية الخاصة في جميع الاتجاهات تقريباً». وأضاف مستخدماً اسم مدينة بوكروفسك الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية: «يجري أعنف القتال في اتجاه كراسنوارميسك، حيث يحاول العدو، بأي وسيلة ودون أي اعتبار للخسائر، وقف تقدمنا واستعادة زمام المبادرة دون جدوى». ونُقل عنه قوله إن الجيش الأوكراني «نشر أفضل الوحدات القتالية المدربة والأكثر قدرة على القتال، وسحبها من مناطق أخرى. وهذا يسهّل تقدم قواتنا في قطاعات أخرى».
المحللون العسكريون يلاحظون أن كلا الطرفين يواجه صعوبات ميدانية. ففي حين تعاني روسيا من نقص في القوى البشرية والعتاد المتطور، تواجه أوكرانيا تحديات في تأمين الذخائر الحديثة والتجهيزات الدفاعية، وهو ما يفسِّر أهمية برامج التمويل الجديدة مع الحلفاء.
وبينما تتواصل النقاشات حول كيفية التعامل مع ضغوط الإدارة الأميركية وكيفية ضمان المساعدات لكييف، بحثت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مع الرئيس ترمب، في اتصال هاتفي، «سبل زيادة الضغط الاقتصادي على روسيا»، وأشارت إلى أن بروكسل ستقدم قريباً مقترحات لحزمة عقوبات جديدة هي التاسعة عشرة منذ بداية الحرب. ولفتت المسؤولة الأوروبية إلى أنّ هذه العقوبات ستشمل إجراءات تستهدف العملات المشفّرة والبنوك والطاقة.
لكن ترمب لم يبدِ ارتياحاً، بل كرر شرطين أساسيين: الوقف الكامل لواردات النفط الروسية، وفرض رسوم جمركية ضخمة على الصين. وهو ما أثار جدلاً واسعاً داخل الاتحاد الأوروبي. إذ يرى بعض الدبلوماسيين أن الخطوات المقترحة قد تكون «فخاً» يهدف إلى تحميل أوروبا أعباء اقتصادية باهظة، فيما تستفيد الولايات المتحدة من بيع الغاز المسال وتوسيع حصتها في السوق الأوروبية، مما قد يُضعف الاقتصاد الأوروبي ويزيد معدلات التضخم. ويشدد آخرون على أن تقليص الاعتماد على الطاقة الروسية يبقى شرطاً ضرورياً لإضعاف القدرات الروسية.
وتقول إيفانا سترادنر الباحثة في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إن الرئيس ترمب مُحقّ في أن أوروبا لا تزال تعتمد على النفط والغاز الروسيين، وقد حان الوقت لبروكسل للانفصال عن الاقتصاد الروسي والتوقف عن تمويل آلة الحرب الروسية. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنّ مركز ثقل بوتين هو قطاع الطاقة، واستهداف هذا القطاع عبر عقوبات صارمة ضروريٌّ لوقفه.
لكن المفارقة أن العقوبات الأوروبية، مهما كانت شديدة، لا تبدو كافية لإقناع ترمب، الذي يربط بين الملف الروسي والملف الصيني بطريقة تجعل الأوروبيين مضطرين للتعامل مع معادلة معقدة: إرضاء واشنطن من جهة، والحفاظ على مصالحهم الاقتصادية من جهة أخرى.
علاوة على ذلك، تتباين دول الاتحاد الأوروبي اختلافاً كبيراً في رأيها بشأن مدى قوة تأثير التكتل على بكين، نظراً إلى اعتمادها الاقتصادي على القوة الآسيوية. وعلى الرغم من التعهدات المتكررة بتنويع الاقتصاد بعيداً عن الصين، فإنها لا تزال تُمثل نحو 21 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي. ودعت برلين، التي يرتبط اقتصادها ارتباطاً وثيقاً باقتصاد بكين، إلى توخي الحذر تاريخياً، خوفاً من إلحاق أضرار جسيمة بقطاعات حيوية، مثل صناعة السيارات.
ولذلك، تسعى بروكسل إلى زيادة استخدام ضوابط التصدير المُستهدفة على الشركات الصينية، كتلك التي تبيع التكنولوجيا العسكرية لروسيا، كما فعلت في حزم العقوبات السابقة.
هجمات متبادلة
قال راضي خبيروف، رئيس منطقة باشكورتوستان الروسية، عبر قناته على «تلغرام»، الخميس، إن طائرتين مسيَّرتين أطلقتهما أوكرانيا هاجمتا مجمع «نفتخيم سالافات» لمعالجة النفط والبتروكيماويات التابع لشركة «غازبروم»، وهو أحد أكبر المجمعات من نوعه في روسيا. وكثفت أوكرانيا الهجمات بطائرات مسيّرة على البنية التحتية للنفط والغاز في روسيا منذ مطلع أغسطس (آب)، في وقت ازداد فيه إحباطها من مسار محادثات السلام التي قال الكرملين إنها توقفت عملياً حالياً. وقال خبيروف: «نقيّم حجم الأضرار. نعمل حالياً على إخماد النيران. جميع خدمات الطوارئ موجودة في الموقع».
وقال مسؤولون، الخميس، إن قوات روسية هاجمت البنية التحتية للسكك الحديدية وأصابت خمسة أشخاص في منطقة بولتافا بوسط أوكرانيا. وذكر فولوديمير كوهوت، حاكم منطقة بولتافا على تطبيق «تلغرام»، أن هجوماً استهدف منطقة ميرغورود أدى إلى إصابة شخص واحد وتسبب في نشوب حرائق. وقالت شركة السكك الحديدية الأوكرانية المملوكة للدولة «أوكرزاليزنيتسيا» إن الهجوم أدى إلى انقطاع مؤقت للكهرباء عن عدة محطات وتسبَّب في تأخير قطارات الركاب لمدة تصل إلى ثلاث ساعات.