بعد رفض اللجنة القانونية العليا في السويداء خريطة طريق «سورية – أردنية» مدعومة أميركياً، تشهد محافظة السويداء حملة جمع توقيعات خطيّة على عريضة تناشد المجتمع الدولي دعم إجراء استفتاء شعبي لأهالي المحافظة حول حقهم في تقرير المصير، سواء كان الاستقلال التام عن الدولة السورية، أو التمتع بالإدارة الذاتية أو اللّامركزية. وبينما لم يصدر عن دمشق تعليق على الحملة، أكد المبعوث الأميركي توم براك «أهمية خريطة طريق حل الأزمة في السويداء».
واستكمالاً لحملة توقيع إلكترونية أطلقتها مجموعة من الناشطين أبناء السويداء في الداخل والخارج، لحشد تأييد لمطلب حق تقرير المصير، جرى افتتاح مراكز في محافظة السويداء لجمع توقيعات خطية من الداعمين لحق تقرير المصير. وحسب مصادر أهلية، بلغ عدد المراكز في مدينة السويداء 19 مركزاً، وشارك في الحملة أكثر من ألفي متطوع، كما تولى الأمن الداخلي في السويداء «المعيَّن من الزعيم الهجري» مهمة حفظ الأمن في أثناء الحملة.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «ما زال الخوف يسيطر على الأهالي من عودة العلاقة مع دمشق بعد الأحداث الدامية الأخيرة، وفي المقابل هناك مخاوف من المضي بعيداً خلف مطالب الاستقلال والارتهان لإسرائيل… الحملة نجحت في تحشيد أعداد كبيرة من الأهالي، لكن هناك كثيرين يترددون في التعبير عن حقيقة مواقفهم بسبب الخوف، لا سيما أنهم أمام (خيارين أفضلهما سيئ)».
وأفاد موقع «الراصد» بانتشار متطوعي الحملة في عشرات المراكز في مدن وبلدات السويداء، صباح الأربعاء، لجمع توقيعات المؤيدين لمطلب حق تقرير المصير، بعدما جرى جمع التوقيعات المتضامنة من بُعد عبر رابط على شبكة الإنترنت.
وصرح المحامي أيمن شيب الدين بأن «السويداء بعد الإبادة ليست كما قبلها». وقال إن السويداء اتجهت نحو «تقرير مصيرها بنفسها»، وجرى تنظيم الحملة بمبادرة من مجموعة من النشطاء الحقوقيين والمدنيين على مستوى المحافظة، بهدف «دفع أبناء المنطقة إلى التعبير عن رأيهم بشكل ديمقراطي وحر». لافتاً إلى أنه «لم يعد مقبولاً بعد اليوم أن تُفرض الإرادات فرضاً»، وأن الحملة مستمرة في مدينة السويداء وشهبا وصلخد.
ولم يصدر تعليق من دمشق على حملة التوقيعات الخطية التي جاءت بعد يوم واحد من إقرار خريطة طريق واضحة للعمل على حل أزمة السويداء، التي ترتكز على دعم الأردن والولايات المتّحدة، بعد اجتماع ثلاثي انعقد في دمشق بمشاركة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي والسوري أسعد الشيباني، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس براك.
Sincere thanks to Walid Jumblatt for his wisdom and unparalleled stature in harnessing the collective views of valued Druze leaders, who live within various man-made boundaries and borders, but nevertheless are committed to a God that knows no borders or boundaries. The Druze… pic.twitter.com/Mjb7rLLur0
— Ambassador Tom Barrack (@USAMBTurkiye) September 17, 2025
السفير عاد وأكد، الأربعاء، «أهمية خريطة طريق حل الأزمة في السويداء في بناء مستقبل سوريا بما يضمن المساواة بين جميع السّوريين». وقال في منشور له على منصة «إكس»، إن «المصالحة تبدأ بخطوة واحدة، وخريطة الطريق لا ترسم مساراً للتعافي فحسب، بل مساراً يمكن للأجيال القادمة من السوريين أن تسلكه، وهم يبنون وطناً يتمتع بالمساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع».
في الأثناء، أعلنت اللجنة القانونية العليا في السويداء، التي شكلها الزعيم حكمت الهجري لتسيير الأمور في المحافظة، رفضها بشكل شامل بيان الخارجية السورية بشأن «خريطة طريق» لحل الأزمة، مؤكدةً أن ما جرى في يوليو (تموز) الماضي، «جرائم ضد الإنسانية لا يمكن معالجتها إلا عبر مسار دولي عادل يضمن محاسبة الجناة وحق أبناء السويداء في الحرية وتقرير المصير». كما اتهمت اللجنة دمشق بالمشاركة في المجازر والانتهاكات، ورأت أن القضاء السوري «مسيّس وغير قادر على تحقيق العدالة»، محذّرةً من محاولات «فرض وصاية داخلية وزرع الفتنة عبر مجالس محلية وهمية».
وانطلقت في السويداء حملة لجمع توقيعات خطّية من الأهالي على الحق الكامل في الاستقلال التام عن الدولة السورية، بوصفه «الحل الوحيد الذي يضمن استقرار المنطقة»، وذلك رغم عدم تأكد وجود إجماع على مطلب «الاستقلال التام»، وفق المصادر الأهلية التي أشارت إلى اختلاف الآراء؛ فهناك من يرى أنْ لا أمن ولا أمان من دون التوصل إلى مصالحة وسلام بين أبناء الجنوب السوري، أما طلب الاستقلال فيعني عزل «الدروز» عن محيطهم، ويمكن المطالبة برحيل السلطة وليس بالانفصال عن الدولة.
في حين يرى آخرون أنْ لا إمكانية للمصالحة مع الذين قاموا بقتل الدروز وإهانة كبارهم. وهذا التوجه يستند إلى تطمينات حقوقيين من أبنائهم تتعلق بإمكانية إنشاء كيان مستقل للجبل عبر صندوق يسهم فيه أبناء الجبل ودول جهات داعمة، حسب المصادر.
كانت وزارة الداخلية السورية قد كلَّفت قائد «تجمع أحرار جبل العرب»، سليمان عبد الباقي، القريب من دمشق، بإدارة ملف الأمن في محافظة السويداء. في إطار خطة شاملة لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية والشرطية في المحافظة. وقال وزير الداخلية إن التعيينات جرت «بمشاركة فاعلة من أبناء المحافظة ومن مختلف المكونات».