
هل فقدت دول الخليج الثقة بالحماية الأميركية بعد السيناريو الذي اعتمده البيت الأبيض في اعقاب العدوان الاسرائيلي على دولة قطر، ومسارعة وزير خارجية الدوحة الى دحضه؟
بداية لا بد من الإشارة الى انه ولأكثر من سبعة عقود، شكّلت الولايات المتحدة عماد الأمن الإقليمي لدول الخليج العربي، ضامنةً توازنًا هشًا في منطقة تعج بالتحديات الجيوسياسية، غير أن التطورات المتسارعة في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ عام 2011، أدت إلى تصدعات واضحة في بنية هذه العلاقة الاستراتيجية. ومع تنامي القلق الخليجي من تراجع الالتزام الأميركي، تُطرح اليوم تساؤلات جادة: هل فقدت دول الخليج الثقة بالحماية الأميركية؟ وهل نشهد تحولًا تاريخيًا في التحالفات الأمنية بالمنطقة؟
لقد تعمق الشعور الخليجي بأن واشنطن لا تسعى الا وراء مصالحها خلال إدارة الرئيس جو بايدن، خاصة بعد الموقف الأميركي المتردد تجاه الهجمات التي طالت منشآت “أرامكو” السعودية في بقيق وخريص عام 2019، والتي نُسبت إلى إيران أو وكلائها. الرد الأميركي جاء خافتًا، مما اعتبره بعض القادة الخليجيين بمثابة “ضوء أصفر” بأن المظلة الأمنية لم تعد مضمونة.
هذا التحول دفع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، إلى تنويع شراكاتها الاستراتيجية، ليس فقط اقتصاديًا بل أمنيًا أيضًا. فشهدنا تعزيزًا للعلاقات مع الصين وروسيا، وزيارات رفيعة المستوى بين الرياض وبكين، وتوقيع اتفاقيات أمنية مع فرنسا وغيرها.
ولم تكن المصادفة أن ترعى الصين في مارس 2023 الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران، في خطوة مثّلت تحولًا في الدور الصيني من شريك تجاري إلى فاعل سياسي وأمني في الشرق الأوسط. تلك الوساطة كشفت بوضوح أن الدول الخليجية بدأت ترى في بكين شريكًا يمكنه ملء بعض الفراغ الذي تتركه واشنطن.
يرى متابعون لمسار الأحداث في المنطقة أن ما يحدث اليوم ليس مجرد تباين في وجهات النظر بين واشنطن ودول الخليج، بل تغيير في قواعد اللعبة، حيث أن ثقة الخليج في الحماية الأميركية لم تنهَار بالكامل بعد، لكنها لم تعد على ما كانت عليه.
وهذا الواقع الأمني الجديد في الخليج لا يعني نهاية التحالف مع واشنطن، لكنه يشير إلى مرحلة انتقالية تتسم بالحذر، والبحث عن توازنات بديلة. فقد تكون المظلة الأميركية باقية، لكنها لم تعد وحدها في السماء.