يستقبل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، غدا الثلاثاء، كلاً من نظيره وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، وذلك وسط مساعٍ لاستئناف عمليات المراقبة الدولية للبرنامج النووي الإيراني. وأجرى عبد العاطي اتصالاً مع عراقجي، الاثنين، في سياق سلسلة الاتصالات بين الطرفين في الفترة الأخيرة، حسبما أورد بيان لـ«الخارجية» المصرية.
وتبحث مصر مع إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف الأزمة النووية، للمرة الـ11 خلال نحو 3 أشهر، في وتيرة مباحثات لم تصفها القاهرة بأنها تنبع من وساطة، لكنها تستهدف منع أي «صدام جديد» بين إيران من جانب، ومن جانب آخر أميركا وإسرائيل والغرب في الملف النووي مجدداً.
تلك الاتصالات التي تجريها القاهرة بوتيرة مستمرة ومتتالية أحياناً، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي في إطار تقريب وجهات نظر ضمن مستهدفات مصرية لتهدئة التوتر بالإقليم والوصول إلى حلول واقعية، وبالتالي ستستمر، متوقعين نجاحها في دفع الطرفين للوصول إلى تفاهمات تمنع من تجديد الصدام العسكري أو النووي.
مباحثات متتالية
وأجرى وزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي في أعقاب انتهاء التصعيد الإسرائيلي – الإيراني، في 24 يونيو (حزيران) وحتى 8 سبتمبر (أيلول)، 8 اتصالات على الأقل مع نظيره الإيراني، عباس عراقجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بخلاف لقاءين اثنين معهما خارج القاهرة، وفق رصد «الشرق الأوسط» لبيانات «الخارجية» المصرية في تلك الفترة.
وتمت الاتصالات الهاتفية أيام 6 و13 و30 أغسطس (آب)، و5 و15 و18 يوليو (تموز)، و24 و30 يونيو، بخلاف لقاء عبد العاطي مع غروسي في 2 سبتمبر بمنتدى بليد سلوفينيا، ومع عراقجي في جدة في 25 أغسطس (آب)، إضافة لإعلان «الخارجية» المصرية الاثنين (8 سبتمبر) عن «سلسلة إجراء اتصالات مماثلة مع عراقجي وغروسي في الفترة الأخيرة» دون تحديد عددها.
وتأتي الاتصالات المصرية في أحدث بيان الاثنين، في إطار «توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدعم جهود خفض التصعيد بالمنطقة، بهدف تهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الملف النووي الإيراني»، وفق المصدر ذاته.
وتهدف الاتصالات إلى «تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية المختلفة، بهدف التوصل إلى تسوية مستدامة تراعي مصالح جميع الأطراف، وتسهم في خفض التصعيد واستعادة الثقة، وإيجاد مناخ داعم لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».
كما تأتى هذه الاتصالات في إطار «جهود مكثفة تبذلها مصر للتوصل إلى تفاهمات تسهم في تقريب وجهات النظر بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، بهدف إتاحة الفرصة للحلول الدبلوماسية والحوار والعودة إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى تسوية توافقية بالنسبة للملف النووي الإيراني ومنع التصعيد ودعم السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي»، وفق البيان المصري.
وركزت بيانات «الخارجية» المصرية، التي رصدتها «الشرق الأوسط» خلال الفترة الزمنية ذاتها على ذات تلك الأسباب، مع كل اتصال تم منذ انتهاء تصعيد إسرائيل وإيران العسكري في يونيو الماضي، دون أن تصف تلك الجهود بأنها «وساطة».
تخفيف التوتر
ويرى وزير الخارجية الأسبق رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير محمد العرابي، أن الاتصالات المصرية سوف تستمر من باب تخفيف التوتر بالإقليم، والوصول إلى حلول واقعية ترضي الطرفين، مشيراً إلى أنها مساعٍ في إطار تقريب وجهات النظر، وليست وساطة.
ويشير رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، الدكتور محمد محسن أبو النور، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن مصر تلعب دوراً محورياً كبيراً منذ أشهر لتهدئة الأوضاع بين إيران والمجتمع الدولي، في إطار البحث عن تهدئة إقليمية تنعكس إيجاباً على كل أطراف المنطقة، وسوف تستمر في تلك المساعي بالوتيرة نفسها.
وتأتي هذه الاتصالات وسط زخم ملحوظ في علاقات البلدين، التي شهدت انفراجةً ملحوظةً مع زيارة عباس عراقجي إلى القاهرة، في يونيو الماضي (قبل التصعيد الإسرائيلي – الإيراني).
ووقت التصعيد بين إسرائيل وإيران، في يونيو الماضي، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني، مسعود بزشكيان، أعرب خلاله عن «رفض مصر الكامل للتصعيد الإسرائيلي الجاري ضد إيران، لما يمثله من تهديد لأمن واستقرار الشرق الأوسط في وقتٍ بالغ الدقة تشهد فيه المنطقة أزمات مُتعددة ومُتفاقمة»، مؤكداً «الأهمية التي توليها مصر لوقف إطلاق النار بشكل فوري، وبما يسمح باستئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى حل سلمي مُستدام لهذه الأزمة».
ويؤكد العرابي أن الجهود المصرية لم تتوقف منذ الحرب ولن تتوقف، خصوصاً أنه متوقع أن تلعب الدبلوماسية دوراً في تخفيف التوتر بالمنطقة المرحلة المقبلة، مرجحاً ألا تعود إسرائيل لاستهداف إيران في المدى القريب في ضوء جهود التهدئة الحالية.
ويرى أبو النور أن مصر حريصة على تكثيف جهودها منذ وقت مبكر عقب اندلاع الحرب، وفي المقابل أطراف الأزمة يثقون فيها بوصفهم وسيطاً نزيهاً في تسوية النزاعات بالطرق الدبلوماسية، والتوصل إلى حلول مرضية دون الانزلاق إلى حرب جديدة.