أدت السياسات الجمركية «العدائية» التي اعتمدها الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، حيال الهند إلى توترات في علاقتها بالولايات المتحدة، دافعة برئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، نحو التقارب مع الصين وتوطيد العلاقات الجيدة أصلاً مع روسيا.
وترقى الرسوم الجمركية بنسبة 50 في المائة التي فرضها ترمب إلى أن تكون حرباً اقتصادية على البلد الحليف للولايات المتحدة. غير أنها ليست العامل الوحيد الذي أدى إلى تعكير صفو العلاقة التي كانت جيدة بين رئيس الوزراء الهندي خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي، في وقت كان فيه مسؤولون أميركيون يتطلعون إلى الهند بوصفها خياراً بديلاً للصين على مستويات صناعية وتجارية.
وفي ما بدا تحوّلاً سلبياً في نظرة نيودلهي إلى واشنطن خلال عهد ترمب الثاني، ظهر رئيس الوزراء الهندي شابكاً يده بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى توجههما نحو الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي افتتح قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» بمدينة تيانجين شمال الصين، وصافحاه بحرارة وسط ابتسامات عريضة للزعماء الثلاثة، في ما بدت رسالة من مودي تفيد بأن لبلاده أصدقاء كباراً، بينهم الصين التي يزورها لأول مرة منذ 7 سنوات، رغم الخلافات الحدودية بينهما، فضلاً عن العلاقات التجارية والسياسية التي شهدت توتراً حاداً في بعض الأحيان بين الهند والصين.
وبدا للمراقبين أن رئيس الوزراء الهندي بدأ ينفد صبره تجاه الرئيس الأميركي، الذي كرر أخيراً وبحماسة أنه «حلّ» نزاعاً عسكرياً عمره 75 عاماً بين الهند وباكستان خلال مكالمة هاتفية أجراها يوم 17 يونيو (حزيران) الماضي بعد وقوع اشتباكات عنيفة على جانبي الحدود بين البلدين. وإذ فاخر بالدور الذي اضطلع به، ذكر أن إسلام آباد سترشحه لـ«جائزة نوبل للسلام»، في ما بدا تلميحاً منه إلى أنه ينبغي لنيودلهي أن تفعل الأمر نفسه. واستشاط مودي غضباً، قائلاً لترمب إن التدخل الأميركي لا علاقة له بوقف النار الأخير، وإن التسوية حدثت مباشرة بين الهند وباكستان.
صانع سلام؟
بعد المكالمة الهاتفية في 17 يونيو الماضي مع ترمب، أصدر المسؤولون الهنود بياناً جاء فيه أن مودي «أكد بحزم أن الهند لا تقبل الوساطة، ولن تقبلها أبداً»، مضيفاً أن «الرئيس ترمب استمع بعناية» و«عبر عن دعمه حرب الهند ضد الإرهاب».
ولم يُعلن البيت الأبيض المكالمة. ولكنه كرر بعد 4 أيام أنه أنهى هذا النزاع، في سياق إعلان آخر عن اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.
وتجاهل ترمب تعليقات مودي إلى حد كبير، إلا إن الخلاف بينهما – بما في ذلك رفض مودي الانخراط في مسألة «جائزة نوبل» – لعب دوراً بالغ الأهمية في تدهور علاقاتهما التي كانت وثيقة خلال رئاسة ترمب الأولى.
وقد برز الخلاف على خلفية محادثات تجارية بالغة الأهمية للهند والولايات المتحدة، ومن شأن تداعياتها أن تدفع بالهند إلى التقارب مع خصوم أميركا في الصين وروسيا. وجاء سفر مودي إلى الصين في نهاية هذا الأسبوع واجتماعه مع شي وبوتين بوصفه أحدث دليل على التوتر الأميركي – الهندي.
ويعتقد مسؤولون في كل من الولايات المتحدة والهند أن ترمب أضعف العلاقات بشريك مهم، مبعداً الهند بصفتها أكبر شريك تجاري. فبعد أسابيع قليلة من المكالمة الهاتفية في يونيو الماضي، ومع استمرار المحادثات التجارية، فاجأ ترمب نيودلهي بإعلانه فرض تعريفة جمركية بنسبة 25 في المائة على الواردات من الهند. وقرر الأربعاء الماضي فرض تعريفة جمركية إضافية بنسبة 25 في المائة على الهند بسبب شرائها النفط الروسي، ليصل إجمالي التعريفات إلى 50 في المائة.
أما مودي، الذي وصف ترمب ذات مرة بأنه «صديق حقيقي»، فأعلن رسمياً عن أنه لن يشارك في اجتماع كان مقرراً خلال الخريف لـ«الرباعية» المعروفة باسم «كواد»، التي تضم الولايات المتحدة والهند بالإضافة إلى اليابان وأستراليا. ولم تعد لدى ترمب خطط لهذه الزيارة، وفقاً لأشخاص مطلعين على جدول أعمال الرئيس.
وفي الهند، يُنظر إلى ترمب الآن في بعض الأوساط على أنه مصدر «إذلال وطني». ففي الأسبوع الماضي، عرضت دمية عملاقة لترمب في مهرجان بولاية ماهاراشترا، مع لافتات تُعلن أنه «طعن في الظهر». وكانت الضربات الأميركية شديدة لدرجة أن أحد المسؤولين الهنود وصفها بأنها «جنداغاردي»؛ أي تنمر مباشر أو بلطجة.
ولم يتحادث الرجلان منذ المكالمة الهاتفية في 17 يونيو الماضي.
شعبوية مزدوجة
وتفيد صحيفة «نيويورك تايمز» بأن قصة العلاقة بين ترمب ومودي تدور في جوهرها حول «زعيمين شعبويين» لديهما «ميول استبدادية». وفي الوقت ذاته أيضاً هي «قصة رئيس أميركي يسعى إلى نيل (جائزة نوبل)، ويصطدم بالقضية الثالثة الثابتة في السياسة الهندية: الصراع مع باكستان».
ويحدث ذلك بعد سنوات من حضور مودي، خلال ولاية ترمب الأولى، تجمعاً حاشداً للجالية الهندية في تكساس تحت عنوان «هاودي مودي!» وهي عبارة ترحاب. وبعد أشهر، زار ترمب ولاية غوجارات، مسقط رأس مودي، لحضور احتفال تحت شعار «ناماستي ترمب!» وتعني التحية لترمب.
وقد استقبله مودي بعناق في المطار، ثم احتفل به بالموسيقى والرقص، بحضور أكثر من مائة ألف شخص هتفوا له.
لكن ما يريده ترمب من مودي الآن أمر سياسي غير قابل للتنفيذ يتعلق بنزاع قديم، وهو الرضوخ لضغوط الولايات المتحدة لوقف نار دائم مع باكستان، وهو ما قد تكون تكاليفه أكبر داخل الهند.