في الذكرى السابعة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر، وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري خطابًا حمّال أوجه، حمل دعوة صريحة إلى حوار وطني توافقي، يتناول واحدة من أعقد القضايا اللبنانية وأكثرها حساسية: حصرية السلاح بيد الدولة.
طرح الرئيس بري قضية السلاح خارج إطار الشرعية من باب الحوار لا المواجهة، ومن موقع الواقعية السياسية لا الانقلاب على التحالفات، ما فتح الباب أمام قراءة متعددة الأبعاد لدلالات هذا الطرح، وتوقيته، وحدود القدرة على ترجمته إلى مسار فعلي.
اختار الرئيس بري لحظة رمزية لإطلاق مبادرته الحوارية – الذكرى السنوية للإمام موسى الصدر، الذي عُرف بمزجه بين البُعد الإصلاحي في الداخل، والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي على قاعدة بناء دولة قوية وعادلة.
في هذا الإطار، بدا بري وكأنه يستحضر الصدر كمرجعية شرعية لطرح قضايا استراتيجية بحساسية ملف السلاح، محاولًا تبرير فتح النقاش حوله باعتباره امتدادًا لفكر الإمام، لا خروجًا عليه.
التحول اللافت في خطاب رئيس المجلس لم يكن في مجرد طرح موضوع حصرية السلاح، بل في وضعه ضمن إطار “الحوار التوافقي”، كآلية دستورية لحل الإشكال، وهو ما يشير إلى أن الرئيس بري لا يطرح تسليم السلاح أو نزعه بالقوة، بل إدخاله في مظلة تفاهم سياسي يعيد تعريف دور الدولة، ويضبط العلاقة بين المقاومة ومؤسسات الشرعية.
عمليًا، هذه الدعوة لا تُفهم على أنها دعوة إلى نزع السلاح بمفهومه الحرفي، بل إلى نقاش جدي حول ضبط استخدامه، ووضع قواعد اشتباك داخلية تحمي التوازن الوطني وتمنع الانزلاق إلى الفوضى.
لا شك أن دعوة بري تحمل رسالة مزدوجة: إلى الداخل، ومفادها أن السلاح لن يبقى بمنأى عن النقاش السياسي إلى ما لا نهاية؛ وإلى الخارج، بأن لبنان غير مغلق تمامًا أمام مطالب الإصلاح السيادي، لكنه يحتاج إلى مقاربات توافقية لا إملاءات.
من هنا، يمكن فهم كلام بري كنوع من إعادة التموضع التكتيكي، بهدف قطع الطريق أمام مزيد من الضغوط الدولية على لبنان، خصوصًا مع تصاعد التحذيرات الغربية من مخاطر عودة الحرب.
ومن المعروف أن سلاح «حزب الله» كان ولا يزال بندًا مسكوتًا عنه ضمن التوازنات اللبنانية، حيث تُركت المسألة بلا معالجة فعلية، تحت وطأة الاعتبارات الإقليمية وتعقيدات الداخل.
بري، الذي يعرف أكثر من سواه تعقيدات هذا الملف، لا يطرح حلًا جذريًا بقدر ما يسعى إلى تطويق الإرباك المتصاعد، وإدخال السلاح في نقاش سياسي منظم، يحول دون تحوله إلى مادة تفجير داخلي، سواء على شكل صدامات سياسية أو أمنية.
لكنّ قدرة هذا الطرح على التحقق عمليًا مرهونة بعوامل عدة، أبرزها:
استعداد حزب الله للدخول في حوار حول سلاحه، من دون اعتباره استهدافًا مباشرًا لدوره ومكانته.
توفّر نية جدية لدى القوى الأخرى للتمييز بين نزع السلاح والمطالبة بحصريته في يد الدولة، وهو فرق جوهري.
وجود مظلة إقليمية تؤمّن شروط الحد الأدنى من التوافق، وتحمي الحوار من الانزلاق إلى لعبة شد الحبال.
في المقابل، لا تخلو الساحة السياسية من أصوات مشككة في نيات بري، معتبرة أن دعوته قد تكون مناورة لإعادة تدوير الوقت والتهرب من استحقاقات أكثر إلحاحًا، أو أنها مجرد امتصاص للضغوط من دون نية فعلية للتنازل.
يبقى السؤال الجوهري: هل تُشكل دعوة بري بداية مسار حقيقي نحو تنظيم العلاقة بين الدولة والمقاومة؟ أم أنها حلقة جديدة في سياسة تدوير الزوايا، لتفادي الانفجار دون معالجة جذور الأزمة؟