على مدار ما يقرب من عامين من الحرب في قطاع غزة، ركزت نشرات الأخبار الإسرائيلية بشكل شبه حصري على ضحايا الصراع الإسرائيليين: الرهائن، أحياءً وأمواتاً، أو الذين ما زالوا محتجزين، والجنود الذين قُتلوا في المعارك ثم دُفنوا في ديارهم.
نادراً ما ذُكرت معاناة المدنيين في غزة، حيث نزح ما يقرب من مليوني شخص، ودُمرت بنيتهم التحتية الأساسية. منذ هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، كانت هناك قاعدة غير مكتوبة في إسرائيل، كما قال صحافيون وخبراء إعلام، أبقت المدنيين الفلسطينيين في الغالب بعيداً عن الأنظار في التغطية المحلية للحرب، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».
«كانوا ينتظرون ذلك»
لكن، في الشهر الماضي، وسط تقارير عن مجاعة جماعية في القطاع وغضب دولي متزايد، بدأت أنباء الأزمة المتفاقمة بالظهور. وقد أتاح سيل الصور والإدانات، حتى من حلفاء إسرائيل، للصحافيين الإسرائيليين، «مدخلاً إلى القصة»، كما قالت إحدى الصحافيات الاستقصائيات البارزات، التي تحدثت إلى «واشنطن بوست» شريطة عدم الكشف عن هويتها، نظراً لحساسية الموضوع. وأضافت: «ترون كم كانوا ينتظرون ذلك».
وبدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسية بعرض لقطات لمدنيين في غزة لأول مرة، بما في ذلك رجال يسيرون على الأقدام يحملون أكياس الطعام من مواقع توزيع المساعدات وأطفال يصرخون وهم يتزاحمون حول مطابخ الحساء القليلة المتبقية – وهي نتائج، كما ذكرت التقارير، للحصار الإسرائيلي المستمر منذ شهور على القطاع.
عادت نشرات الأخبار، هذا الأسبوع، إلى مجالات التغطية المألوفة، بعد أن نشرت حركة «حماس» مقاطع فيديو لرهينة هزيل، مما أثار رعب الإسرائيليين، وأثار احتجاجات شعبية حاشدة. كما اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادة احتلال كامل للأراضي الفلسطينية، مما تسبب في توترات بين حكومته والمسؤولين العسكريين المعارضين للخطة.
ومع ذلك، فإن الصور، بما في ذلك صور الأطفال الجائعين، أتاحت للإسرائيليين لمحة عن الأزمة الهائلة في غزة، مما أعطى النشطاء المناهضين للحرب بعض الأمل في أن يتسع النقاش في إسرائيل ليشمل أسئلة حول قانونية وأخلاقية تصرفات الجيش. كما أدت إلى بعض التصريحات الصريحة المفاجئة من كبار مذيعي الأخبار في البلاد.
«فشل أخلاقي»
قالت الصحافية يونيت ليفي، مقدمة نشرة الأخبار المسائية على القناة «12»، في ختام تقريرها عن غزة الأسبوع الماضي: «ربما حان الوقت لنفهم أن هذا ليس مجرد فشل في العلاقات العامة، بل فشل أخلاقي».
منعت إسرائيل الصحافيين الأجانب من دخول غزة، باستثناء زيارات قصيرة ومُراقَبة مع الجيش. مع ذلك، واصل الصحافيون الفلسطينيون تغطية الأحداث من القطاع، مُرسلين تقاريرهم إلى وكالات الأنباء العالمية وغيرها من وسائل الإعلام الدولية. و«واصلوا التغطية، رغم القتل والإصابات والاعتقال التعسفي على يد القوات الإسرائيلية»، وفقاً للجنة حماية الصحافيين، التي تُشير إلى مقتل 178 صحافياً في غزة منذ بدء الحرب.
لكن العديد من الإسرائيليين، الذين ما زالوا يتصارعون مع الأرشيف البصري لـ7 أكتوبر 2023، عندما بثّ مسلحون من «حماس» لقطات أثناء اجتياحهم جنوب إسرائيل، لا يزالون متشككين في التقارير الإعلامية الصادرة من غزة. كما لا يثق البعض بوسائل الإعلام الدولية، متهمين بعض المنافذ بالتقليل من شأن تغطية الرهائن.
ونتيجة لذلك، قال أورين بيرسيكو، مراسل «العين السابعة»، وهي مجلة استقصائية تركز على الإعلام الإسرائيلي وحرية التعبير، إن قلة من الإسرائيليين «يبذلون جهداً لمغادرة حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أو أي منصة تواصل اجتماعي أخرى، والوصول إلى أي مكان آخر لمعرفة ما يحدث» في غزة.
ووفقاً لآسا شابيرو، رئيس قسم الإعلان والتسويق في جامعة تل أبيب، فإن الاعتراف بغزة، ناهيك من التعاطف معها، شكّل معضلة للصحافيين والمشاهدين على حد سواء، الذين لا يزالون عالقين في مصير رهائن إسرائيل. لا يزال خمسون رهينة في الأسر، ومن المفترض أن عشرين منهم على قيد الحياة.
وقال إن العالم يطلب من الإسرائيليين أن يروا أنفسهم «مُعتدين لا ضحايا، وهو أمرٌ صعبٌ علينا، في ظل وجود الرهائن هناك».
في نهاية الأسبوع الماضي، نشرت «حماس» مقطعَي فيديو للرهينة إيفياتار ديفيد (24 عاماً)، الذي اختُطف من مهرجان موسيقي في 7 أكتوبر. في أحدهما، يظهر هزيلاً، فيما يبدو أنه نفق. وفي مقطع آخر، يظهر ديفيد إلى جانب لقطات لأطفال فلسطينيين هزيلين – ويقول التعليق: «لقد قررت إسرائيل تجويعهم».
إعطاء الأولوية للتقييمات
أعلنت وزارة الصحة في غزة، يوم الخميس، أن 197 فلسطينياً لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية منذ بدء الحرب، من بينهم 96 طفلاً. وأضافت الوزارة أن الغالبية العظمى من الوفيات سُجلت في يوليو (تموز) والآن، أغسطس (آب)، عندما تفشت المجاعة الجماعية بعد أربعة أشهر من الحصار الإسرائيلي شبه الكامل.
تُحتسب وفيات سوء التغذية بشكل منفصل عن إجمالي عدد ضحايا الحرب، الذي يتجاوز 61 ألف قتيل، وفقاً لوزارة الصحة.
قال الصحافي وصانع الأفلام، رينو زرور، في 22 يوليو: «كل ما يحدث في غزة، بما في ذلك الجوع، يؤثر بشكل مباشر على كل رجل وامرأة في إسرائيل. إنه واجبي الصحافي الأول: أن أعرض الحقيقة».
وأفاد محللون إعلاميون بأن القنوات الإخبارية أعطت الأولوية لتقييماتها على المبادئ الصحافية، وعزوا ذلك إلى تحول إسرائيل نحو اليمين، بالإضافة إلى تهديدات الحكومة بنشر تقارير ناقدة.
في يونيو (حزيران)، قدّمت لجنة تشريعية في الكنيست مشروع قانون، من شأنه إغلاق قسم الأخبار في «هيئة البث العام الإسرائيلية (كان)». وفي العام الماضي، وافق نتنياهو أيضاً على اقتراح يمنع موظفي الحكومة من التواصل مع صحيفة «هآرتس» ذات التوجه اليساري أو نشر إعلانات فيها، وهي إحدى وسائل الإعلام القليلة التي تغطي الأزمة الإنسانية في غزة باستمرار.