
وسط ركام البيوت والدمار الذي لا يتوقف، يعيش أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة واحدةً من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. فبعد أشهر عدة من الحصار الكامل وقطع سبل الإمداد، باتت المجاعة واقعًا يوميًّا يفتك بالأطفال والشيوخ، وسط صمتٍ عربيٍّ رسميٍّ يثير تساؤلاتٍ مؤلمة.
فوفقًا لتقارير منظمات الإغاثة الدولية، يواجه أكثر من 80% من سكان القطاع خطر المجاعة الحادّة، بينما تم توثيق وفاة مئات الأطفال بسبب الجوع وسوء التغذية. المشاهد التي تصل من مستشفيات غزة تكشف عن أطفالٍ بأجسادٍ هزيلة، ونساءٍ يعانين من فقر الدم الحاد، وأسرٍ بأكملها تقتات على بقايا طعامٍ – إن وُجد – وكبارِ سنٍّ يتهاوَون أرضًا وهم ينتظرون دورهم للحصول على قليلٍ من الطعام.
ورغم فداحة المشهد، لا تزال ردود الفعل الرسمية من العواصم العربية باهتة، تقتصر في معظمها على بيانات استنكارٍ ودعواتٍ لـ”التهدئة” و”تقديم المساعدات الإنسانية”، دون تحرّكاتٍ عمليةٍ لرفع الحصار أو فتح ممرات إغاثية آمنة.
وفي المقابل، اكتفى عدد من الدول العربية بإرسال شحناتٍ رمزيةٍ عبر البحر أو الجو، كثيرٌ منها لا يصل أصلًا بسبب الإغلاق الكامل للمعابر، أو بسبب سرقتها من قِبَل قوات الاحتلال. كما أن المبادرات الشعبية تواجه عراقيلَ سياسيةً أو لوجستية، ما جعل المحاصَرين يشعرون بأنهم تُرِكوا لمصيرهم.
في الوقت الذي تقف فيه غزة على حافة الانهيار الإنساني الكامل، تتجه أنظار الشعوب العربية إلى قادتهم، متسائلين: متى يتحوّل التضامن من شعاراتٍ إلى أفعال؟ ومتى يدرك العرب أن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمةٍ إنسانية، بل وصمةٌ في جبين الكرامة العربية؟
ما من شكٍّ أن المجاعة في غزة ليست كارثةً طبيعية، بل نتيجة مباشرة لحصارٍ ممنهجٍ وصمتٍ دوليٍّ وعربيٍّ مخجل. وكلّ يوم تأخيرٍ في التحرك هو يومٌ إضافيٌّ في عمر معاناة أطفال غزة الذين يموتون جوعًا، أمام عيونٍ مفتوحةٍ وضمائرَ مغلقة.