
يُعتبر ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص ليس مجرد اتفاقية؛ بل إنه شبكة معقّدة من القانون والسياسة والطاقة، وبالرغم من أن أمام لبنان اليوم فرصة نادرة لتثبيت حقوقه البحرية، فإن ذلك يتطلب توازنًا دقيقًا بين الاستعجال لتحقيق الفوائد وضمان الحمايات القانونية والسيادية، في ظلّ تحوّل شرق المتوسط إلى محور حيوي للطاقة.
وقد سلّطت الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس جوزاف عون إلى قبرص ليوم واحد، ولقاؤه الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، الضوء على الملفات العالقة، وعلى رأسها ترسيم الحدود البحرية واستغلال الثروات في شرق المتوسط.
وهذه المحادثات لم تكن هي البداية فيما يخص ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ففي العام 2022، كشف لبنان وقبرص أن صيغة جديدة جرى التوافق عليها لتعديل نقط الحدود البحرية، بحيث تُعتمد النقطة (23) بدلاً من النقطة (1) كموضع التقاء حدود لبنان، قبرص، وإسرائيل. هذه الصيغة تأتي تماشيًا مع الخطّ الذي اتفق عليه لبنان وإسرائيل أيضًا.
وتشير مصادر لبنانية عليمة بمسار هذا التفاوض إلى أن هذه الصيغة تم الاتفاق عليها قانونيًا ضمن إطار المرسوم 6433، وهناك حاجة إلى تنسيق مع سوريا لترسيم الحدود الشمالية مع قبرص.
وتلفت النظر إلى وجود عوائق ومطبات، أبرزها: التأخير في التصديق التشريعي، فاتفاق العام 2007 لم يُصادَق عليه في البرلمان اللبناني ولم يدخل حيّز التنفيذ عمليًا، مما فتح المجال للنقاش حول صلاحية النقطة (1) كمعيار قانوني.
كما أن لبنان بعث برسائل إلى سوريا لترسيم الحدود الشمالية أولًا، وكما أعلن نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب، فإن لبنان لن يرسم بالكامل حدود قبرص حتى يُنهي ملف سوريا.
لكن هذه المصادر تعتبر أنه، رغم ما تقدم، فإن زيارة الرئيس عون إلى قبرص كانت خطوة نوعية نحو تسريع المفاوضات غير المباشرة بشأن الترسيم البحري، مشددة على أن التحديات السياسية، وخصوصًا الأخطار الأمنية والإقليمية، تتطلب استراتيجية قوية تجمع بين تطوير الدراسات الفنية القانونية، واستطاعة الدولة في اتخاذ قرار مستقل يضمن مصالح لبنان البحرية.
وتكشف عن أن هناك اجتماعات قريبة للجان فنية لبنانية – قبرصية، ثم لبنانية – سورية، يُتوقّع أن تُحدّد مصير هذا الملف في الأشهر المقبلة.