أثارت زيارة وفد برلماني تركي لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، في سجنه بجزيرة إيمرالي، جدلاً واسعاً، إذ وصفها البعض بأنها “خطوة مهمة في مسار السلام والحوار”، فيما اعتبرها آخرون “خطوة غير مقبولة”.
وجاءت الزيارة ضمن عمل اللجنة البرلمانية المكلفة ببحث آليات نزع سلاح حزب العمال الكردستاني في إطار مبادرة “تركيا من دون إرهاب” التي أطلقها زعيم حزب “الحركة القومية” دولت باهتشلي في أكتوبر 2024.
وسبق هذه الزيارة عدد من اللقاءات بين أوجلان ونواب من حزب المساواة والديموقراطية للشعوب، الذي يعد الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني في تركيا.
وأسفرت تلك الزيارات عن دعوة أوجلان مقاتلي الحزب إلى التخلي عن السلاح وحل حزب العمال الكردستاني الذي أسسه في ثمانينيات القرن الماضي.
إحياء مسار السلام
ويرى مراقبون أن الزيارة تفتح نافذة جديّة لإحياء مسار السلام، لكنها لا تزال بحاجة إلى خطوات عملية واضحة تشمل ترتيبات أمنية وضمانات سياسية وآلية مراقبة مستقلة، كي يصبح إنهاء الصراع المسلح احتمالاً قابلاً للتحقق.
وقالت النائبة عن حزب المساواة والديموقراطية للشعوب نوروز أويصال أصلا في تصريح لـ”الشرق”: “نحن نؤمن بأن الصراع المسلح في تركيا سيصل إلى نهايته، ونرى أن ذلك ضرورة تاريخية ومجتمعية. فالمستوى الذي تم بلوغه اليوم يُظهر أن نداء عبد الله أوجلان ليس مجرد دعوة للانسحاب، بل هو تدخل تاريخي يهدف إلى كسر دائرة العنف المستمرة منذ مئة عام”.
وأضافت أن إرادة حزب العمال في حلّ نفسه وحرق الأسلحة وسحب القوات إلى خارج الحدود يعني لأول مرة منذ عقود فتح باب واسع أمام السلام المجتمعي، مؤكدة أن نجاح الخطوات يتطلب أيضاً توسيع العمل السياسي الديمقراطي وتعزيز الضمانات القانونية.
كما شددت على أن ترسيخ وقف السلاح لن يتحقق إلا عبر دعم الدولة للأساس القانوني والسياسي لهذه العملية.
ارتدادات داخلية
قال عمر تشليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عقب زيارة الوفد البرلماني لأوجلان، إن التحالف “الجمهوري” (الذي يضم العدالة والتنمية والحركة القومية) يعرف جيداً ما يقوم به، مشيراً إلى أن التركيز ينصب على حلّ التنظيم الإرهابي، ونزع سلاحه بالكامل.
وشدد على عدم وجود أي تنازلات تمس أسس الدولة أو قيم الأمة، مع الترحيب بأي انتقادات أو مقترحات تُسهم في نجاح المبادرة.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية الدكتور سمير صالحة في حديث مع “الشرق” أن الزيارة سيكون لها صدى إيجابي داخل تركيا، بفضل الدعم الحزبي والسياسي لها، ونتيجة التنسيق الثلاثي بين الأحزاب المشاركة في المبادرة.
ويتوقع صالحة أن يفتح هذا التنسيق الباب لنقاشات برلمانية حول قوانين جديدة أو تعديلات دستورية تتعلق بمستقبل أعضاء حزب العمال الكردستاني، وزعيمه أوجلان.
لكنه يشير إلى أن أي تعديل دستوري يحتاج إلى دعم حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة)، وهو ما يبدو صعباً في ظل حذر الحزب وقواعده الشعبية، إضافة إلى نتائج استطلاعات تُظهر عدم ترحيب شريحة من المجتمع بالتواصل مع أوجلان.
ويرجّح صالحة أن البرلمان لن يناقش وضع أوجلان حالياً، لكن من الممكن بحث ملفات سجناء أكراد آخرين مثل صلاح الدين دميرطاش المسجون بتهم تتعلق بالإرهاب.
أما المحلل السياسي التركي إسلام أوزكان، فيؤكد لـ”الشرق” أن مبادرة “تركيا بلا إرهاب” قابلة للنجاح خلافاً للمبادرات السابقة، مشيراً إلى وجود دعم شعبي لها يتجاوز 54% وفق استطلاعات الرأي، مع إمكانية ارتفاع هذه النسبة مع تطور العملية السياسية.
تأثيرات إقليمية
في شمال العراق، رحبت حكومة إقليم كردستان، عبر رئيسها نيجرفان بارزاني، بالتحركات السياسية الرامية لاحتواء عناصر حزب العمال، معتبرة أنها قد تنهي صراعاً دام أكثر من أربعة عقود.
أما في شمال سوريا، فقد أبدت بعض القيادات الكردية استعداداً لدعم أي تسوية سلمية داخل تركيا، لكنها شددت على أن نجاح العملية يتطلب تنسيقاً أمنياً وسياسياً يشمل قوى محلية وإقليمية.
وتبقى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مصدر قلق لأنقرة، إذ إن بقاءها مسلحة وخارج إطار الدولة السورية يثير شكوكاً إضافية، خاصة مع انتقال بعض رافضي عملية السلام من حزب العمال إلى شمال سوريا.
وأشار المحلل السياسي إسلام أوزكان لـ”الشرق” إلى اختلاف الظروف السياسية في سوريا عن تركيا، لافتاً إلى تصريحات قائد سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي الذي طلب السماح له بزيارة أوجلان في إيمرالي.
ويرى أوزكان أن تحقيق هذا الطلب شبه مستحيل حالياً، مشيراً إلى أن زيارة عبدي لن تكون مماثلة لزيارات نواب حزب المساواة والديموقراطية للشعوب، وأن تنفيذها يتطلب أولاً اتفاقاً بين قسد والحكومة السورية، وهو ما قد يجعل هذه الخطوة، لو تمت، جزءاً من مسار السلام في تركيا.
من هو عبدالله أوجلان؟
ويُعتبر أوجلان البالغ من 75 عاماً أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الشرق الأوسط، إذ يُعرف كزعيم ومؤسس لحزب العمال الكردستاني PKK، الذي بدأ كحركة ماركسية لينينية تطالب بحقوق الأكراد في تركيا، وتحول لاحقاً إلى صراع مسلح طويل الأمد ضد الدولة التركية.
وعلى الرغم من الاتهامات التي تطاله بـ”الإرهاب” والتسبب في دفع الأكراد إلى خيارات باهظة الثمن، إلا أن مسيرته تُلخص تحولات سياسية وفكرية وتأثير بارز على القضية الكردية.
بعد مطاردة دولية استمرت سنوات، ألقي القبض على أوجلان في 15 فبراير 1999 في العاصمة الكينية نيروبي.
وفي تركيا، خضع أوجلان لمحاكمة سريعة حُكم عليه فيها بالإعدام بتهمة “الخيانة العظمى والإرهاب”، لكن في عام 2002 جرى تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد، كجزء من إصلاحات أجرتها تركيا بهدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

