دعت ألمانيا إلى إجراء مفاوضات بشأن “حل الدولتين”، معتبرة أن “حل الدولتين عبر التفاوض” هو “السبيل الوحيد لإحلال السلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني”، بينما يواجه المستشار الألماني فريدريش ميرتس ضغوطاً سياسية متنامية للتراجع عن موقفه الداعم لإسرائيل وفرض عقوبات على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ظل تحذيرات دولية من مجاعة طاحنة تهدد سكان قطاع غزة.
وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول، الخميس، إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية “يجب أن يأتي في نهاية مفاوضات حل الدولتين، لكن هذه العملية (المفاوضات) يجب أن تبدأ الآن”، معتبراً أن تزايد الدعم الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما يشمل دولاً أوروبية عديدة، هو نتيجة للتهديدات الصادرة عن عدد من مسؤولي الحكومة الإسرائيلية، في إشارة إلى تهديدات وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو بشأن ضم الضفة الغربية، محذراً من أن برلين سترد على “أي خطوات أحادية الجانب”.
ويواجه المستشار الألماني ميرتس ضغوطاً متنامية للتراجع عن موقفه الداعم بقوة لإسرائيل، وفتح المجال أمام الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على حكومة نتنياهو، حسبما أوردت مجلة “بوليتيكو” في نسختها الأوروبية.
وأفادت المجلة، الأربعاء، بأن المفوضية الأوروبية اقترحت تعليق العمل بجزء من اتفاقية الشراكة الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تسببت في “كارثة إنسانية” تهدد “جميع سكان غزة تقريباً”.
وبحسب “بوليتيكو”، فإن عدداً متزايداً من دول الاتحاد الأوروبي يدعم هذه الخطوة، غير أن ألمانيا لا تزال تعارض التصديق على المقترح، وهو ما قد يُمثل تحولًا كبيراً في سياساتها التقليدية المؤيدة لإسرائيل.
ونقلت “بوليتيكو” عن دبلوماسيين من عدة دول أوروبية، استياءهم من الموقف الألماني، لاسيما بعد أن اقترح ميرتس “انتظار تطورات الأوضاع على الأرض خلال الأيام المقبلة”، بدلاً من اتخاذ إجراءات فورية.
ضغوط دولية متصاعدة
وشهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً ملحوظاً في الضغوط الدولية على إسرائيل، مع تزايد التحذيرات بشأن تدهور الوضع الإنساني في غزة، الذي يهدد مئات الآلاف من المدنيين. وفي أوروبا، أعلن عدد من القادة، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، عزمهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما دعوا رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى وقف العمليات العسكرية وفتح المجال لوكالات الإغاثة لإيصال الغذاء والمساعدات الطبية.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقر هذا الأسبوع بوجود “مجاعة حقيقية” في غزة. ويوم الاثنين، تخلّت المفوضية الأوروبية عن دبلوماسيتها المعتادة، حين قدّمت تقييماً شديد اللهجة، اتهمت فيه إسرائيل مباشرة بخرق القانون الإنساني الدولي.
وجاء في الوثيقة التي اقترحت اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، أن هناك “خطر مجاعة يهدد سكان غزة بأكملهم”، بالإضافة إلى “آلاف الضحايا من المدنيين” و”انهيار شبه تام للخدمات الأساسية”.
وتضمّن اقتراح المفوضية الأوروبية، الذي نوقش خلال اجتماع سفراء دول الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، تعليقاً جزئياً لمشاركة إسرائيل في برنامج “هورايزون يوروب” العلمي، وهو أحد أبرز برامج الأبحاث في الاتحاد. ورغم الحاجة المُلِحّة لاتخاذ القرار، فإن المقترح لم يحظَ بدعم كافٍ، حيث عارضته ألمانيا وثلاث دول أوروبية أخرى.
تبدّل محتمل في موقف ألمانيا
ورغم تمسك برلين بموقفها الرافض، فإن “بوليتيكو” أشارت إلى إمكانية حدوث تغيير في هذا الموقف، ناقلةً عن ميرتس قوله، الاثنين الماضي، إن ألمانيا ستنتظر نتائج الزيارة المرتقبة لوزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى إسرائيل الأسبوع المقبل. وأضاف: “نحتفظ بحقنا في إجراء مناقشات إضافية واتخاذ قرارات أخرى”، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية “يُفترض أن تدرك الحاجة لاتخاذ إجراء الآن”.
داخلياً، يواجه ميرتس ضغوطاً متزايدة أيضاً من شركائه في الائتلاف الحاكم، إذ بدأ الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى جانب أطراف من المعارضة، بالتشكيك في استمرار دعم ألمانيا غير المشروط لإسرائيل وسط تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.
وأعربت النائبة ديريا تورك-ناخبور، عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، عن رغبتها في اتخاذ خطوات أكثر وضوحاً، قائلة: “من المنتظر عقد محادثات حكومية بعد زيارة وزيرة الخارجية الألمانية”، مضيفة: “التنسيق الأوروبي يستدعي أيضاً زيادة الضغط المشترك مع فرنسا وإنجلترا، وربما التوقف عن معارضة المقترحات التي طرحها الاتحاد الأوروبي”.
وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد طالب، منذ يونيو الماضي، بوقف معارضة برلين للتعليق الجزئي لاتفاقية الشراكة الأوروبية مع إسرائيل.
ونقلت “بوليتيكو” عن مصدر دبلوماسي، أن الضغوط الحقيقية على ألمانيا قد تأتي من داخلها، أكثر مما تأتي من شركائها الأوروبيين. وأضاف أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي ينتمي إليه ميرتس، “لم يعد قادراً على تبرير أو تجاهل ممارسات الحكومة الإسرائيلية”.
ووفق المجلة، فإن إيطاليا، التي كانت تتبع نهج ألمانيا في معارضة خطة المفوضية، بدأت أيضاً بإعادة تقييم موقفها، ناقلة عن أحد مصادرها الدبلوماسية قوله: “إيطاليا تقف إلى جانب ألمانيا، لكن كلا البلدين يدرسان تغيير موقفهما، وهناك محادثات جارية مع الحكومة الإسرائيلية”.
تأييد أوروبي واسع لمعاقبة إسرائيل
وأكد عدد من الدبلوماسيين والمسؤولين الأوروبيين، رفضوا الإفصاح عن هوياتهم، تزايد دعم هذا التوجه، مشيرين إلى أن عدة دول أوروبية أعربت عن نفاد صبرها وطالبت بتعليق علاقاتها التجارية مع إسرائيل، بما في ذلك حظر استيراد كافة السلع المنتجة في الأراضي المحتلة.
وقال المتحدث باسم وزير الخارجية الهولندي، كاسبر فيلدكامب لـ”بوليتيكو” إن بلاده قررت المطالبة بتعليق الفصل التجاري من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بسبب “عدم إحراز تقدم” التفاهمات المتعلقة بالمساعدات الإنسانية لغزة.
وفي حال غيّرت ألمانيا موقفها، فإن موازين القوى الدقيقة داخل مجلس الاتحاد الأوروبي، قد تميل لصالح توجيه إدانة رسمية لإسرائيل، تبدأ بتعليق برنامج “هورايزون يوروب”، وقد تمتد لتشمل خطوات تجارية أوسع.
وتوقعت المجلة أن تشهد الأيام المقبلة تطورات متسارعة، مشيرة إلى أن المراقبين يرون احتمال تغيّر موقف ألمانيا خلال الساعات أو الأيام المقبلة، وقد يُؤدي ذلك إلى استدعاء سفراء دول الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل لعقد اجتماع طارئ للتصويت على الخطة التي أعدتها المفوضية، وربما يتم ذلك خلال أسبوع على الأرجح.
وأحد العوائق الحالية، وفق المسؤولين الأوروبيين، يتمثل في ضرورة ترجمة النَص القانوني المقترح من المفوضية من الإنجليزية إلى بقية لغات الاتحاد الأوروبي، حتى تتمكن الدول الأعضاء من دراسة محتواه بشكل صحيح.
وفي المقابل، تسلك فرنسا وبريطانيا مساراً منفصلًا، إذ تخططان للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
وفي بقية الدول الأوروبية، يفرض الصراع في غزة نفسه على الأجندة السياسية، ففي هولندا، أوقف البرلمان عطلته الصيفية، الاثنين الماضي، لعقد جلسة طارئة بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع. كما أصبحت هولندا ثاني دولة في الاتحاد الأوروبي، بعد السويد، تفرض عقوبات على أعضاء في الحكومة الإسرائيلية، بمنع دخول اثنين من وزراء حكومة نتنياهو إلى أراضيها.
وقال الوزير فيلدكامب في مؤتمر صحافي، الأربعاء: “اتخذنا هذا الإجراء لأننا نرى أن خطوات بروكسل بطيئة”، معتبراً أن اتخاذ هذا القرار من قبل دولة صديقة تقليدياً لإسرائيل، هو “خطوة كبيرة”.
ومع ذلك، استبعد فيلدكامب، أي اعتراف أحادي بدولة فلسطين، موضحاً: “لا توجد عملية سياسية قائمة حالياً، والاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن لن يُحدث تغييراً كبيراً على الأرض”.
قرارات حاسمة في سبتمبر
أما إيطاليا، فقد ربطت موقفها بنتائج اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. ونقلت المجلة عن مسؤول إيطالي، طلب عدم كشف هويته، قوله: “طالما استمر وجود (حركة) حماس (الفلسطينية)، فإن الاعتراف الفوري بدولة فلسطين سيكون مجرد إيماءة سياسية”، مضيفاً: “لكن علينا أن ننتظر لنرى ما الفرص التي قد تظهر خلال الأسبوع المقبل، وإذا استمرت الهجمات العسكرية الإسرائيلية، فقد تُعيد الحكومة الإيطالية النظر في موقفها”.
وفي بلجيكا، صرّح وزير الخارجية ماكسيم بريفو، بأن حكومته لن تتخذ قراراً بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل مطلع سبتمبر على الأقل، في ظل استمرار الانقسام حول هذه المسألة داخل الائتلاف الحاكم، بينما تتصاعد دعوات المعارضة للحكومة لمحاكاة الموقف الفرنسي.
وفي المقابل، اتخذت دول مثل إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا بالفعل، خطوة الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، مما يعكس تزايد الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، وسط الضغوط المتزايدة التي تطالب برد أكثر تنسيقاً تجاه الحرب في غزة.
وحتى داخل المفوضية الأوروبية، بدأت الانقسامات بالظهور إلى العلن، فقد خرجت نائبة رئيسة المفوضية، تيريزا ريبيرا، عن صمتها في مقابلة إذاعية، الأربعاء، متهمة المفوضية بالتأخر في اتخاذ إجراءات ملموسة.
وقالت ريبيرا: “منذ أشهر، وبشكل شبه أسبوعي، كنت أحث رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين على تبنّي موقف أكثر حزماً”. وأضافت: “صحيح أن المفوضية تتأثر بالحساسيات الوطنية للدول الأعضاء، لكن من الناحية المؤسسية، يجب أن تظل مستقلة وتمثل مصالح الاتحاد ككل. إلا أن الواقع يقول إن كل مسؤول فيها يأتي وهو محمّل بخلفياته الثقافية ومعتقداته السياسية”.
ضعف استجابة الاتحاد الأوروبي
ورأت “بوليتيكو” أن عجز الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق على خطوة تُعد رمزية إلى حد كبير، يبرز مدى ضعف استجابته للأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.
وفي هذا السياق، قالت بشرى خالدي، مسؤولة السياسات في منظمة “أوكسفام” في الأراضي الفلسطينية، إن عدم توصل الاتحاد الأوروبي إلى إجماع حتى على أصغر إجراء ممكن “أمر يدعو للسخرية بالنظر إلى حجم المعاناة”.
وأضافت: “بعض الدول تقول إنها بحاجة إلى وقت إضافي، لكن ذلك يعني فقط مزيداً من الوقت لمزيد من الوفيات في غزة”.