حسين زلغوط, خاص – “رأي سياسي”:

في خطوة لافتة تعكس تصاعد الضغط السياسي والشعبي حول التمثيل النيابي، وجّه 61 نائبًا عريضة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، طالبوا فيها بإدراج اقتراح تعديل قانون الانتخابات النيابية، ولا سيّما في ما يخص اقتراع المغتربين، على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقبلة.
الطلب النيابي الجماعي يعيد إلى الواجهة قضية كانت محور جدل واسع في السنوات الأخيرة، وهي مشاركة اللبنانيين المقيمين في الخارج في الاستحقاقات الانتخابية الوطنية، وحقّهم في اختيار ممثليهم أسوة بمواطنيهم المقيمين داخل الأراضي اللبنانية.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ القانون رقم 44 الصادر عام 2017 ينصّ على تخصيص 6 مقاعد نيابية للمغتربين اللبنانيين، يتم انتخابهم في الخارج وفق دوائر قارية (أفريقيا، أوروبا، أميركا اللاتينية، أميركا الشمالية، أوقيانوسيا، وآسيا). لكن هذا البند لم يُنفّذ في انتخابات 2018، فيما اتُّهمت بعض الأطراف السياسية بمحاولة تقليص نفوذ الأصوات المغتربة، التي غالبًا ما تُعتبر ميّالة للتغيير أو للمعارضة.
وقد أُتيح للمغتربين في 2022 التصويت للمرشحين ضمن دوائرهم الأصلية في لبنان، ولكن ضمن شروط معقّدة وتحديات لوجستية حالت دون مشاركة نسبة كبيرة منهم. ومع اقتراب استحقاق 2026، يتزايد الضغط لإعادة النقاش حول هذا البند المحوري من القانون.
فالنواب الـ61 الذين وقّعوا العريضة ينتمون إلى كتل نيابية متنوّعة، ما يُظهر نوعًا من التوافق العابر للاصطفافات التقليدية، حيث تشير الدراسات إلى أنّ أصوات الاغتراب قد تُحدث فارقًا في العديد من الدوائر الحسّاسة، خاصة في ظل تراجع شعبية القوى التقليدية في الخارج.
ويطرح التحرّك النيابي أكثر من علامة استفهام: هل فعلًا هناك نيّة جدّية لتصحيح الخلل القانوني وتنفيذ بند المغتربين كما ورد في القانون؟ أم أن التحرّك مجرّد مناورة سياسية لتحسين صورة الكتل أمام الرأي العام؟
يُقدَّر عدد اللبنانيين المسجّلين للاقتراع في الخارج في انتخابات 2022 بأكثر من 225 ألف ناخب، أدلى حوالي 60% منهم بأصواتهم. هذا الرقم قابل للارتفاع في حال تسهيل الإجراءات وتوسيع الحملات التوعوية. وفي ظل فقدان الثقة العامة بالطبقة السياسية، يعتبر كثيرون أنّ صوت المغترب قد يكون “صوتًا حرًّا” أقل تأثّرًا بالزبائنية والضغوط المناطقية والطائفية.
من هنا، ترى مصادر نيابية أنّ إعادة تفعيل المادة الخاصة بمقاعد المغتربين مسألة تمسّ جوهر العدالة التمثيلية والديمقراطية، لا مجرّد تفصيل لوجستي.
وبحسب المصادر، فإنّ الرئيس نبيه بري لم يحسم موقفه بعد من إدراج البند على جدول الأعمال، خاصة أن جدول الجلسة المقبلة لا يزال قيد الإعداد. في المقابل، تدفع بعض الكتل لاعتبار التعديل أمرًا ملحًّا، نظرًا لضيق الوقت الفاصل عن استحقاق 2026، والحاجة إلى استعدادات إدارية وتنظيمية ضخمة، سواء في وزارة الداخلية أو وزارة الخارجية.
وأمام ما تقدّم، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيشكّل تحرّك النواب الـ61 نقطة تحوّل في مسار إصلاح قانون الانتخاب؟ أم أننا أمام جولة جديدة من التجاذب حول بند بالغ الحساسية؟ من المؤكّد أنّ اقتراع المغتربين لم يعُد تفصيلًا، بل بات عنوانًا أساسيًّا من عناوين الصراع على مستقبل التمثيل السياسي في لبنان، بين قوى تسعى للحفاظ على قواعدها التقليدية، وأخرى تطمح إلى إعادة تشكيل المشهد الانتخابي على أسس أكثر عدلًا وتمثيلًا، بحسب ما يعتقدون.