
حسين زلغوط
خاص_ “رأي سياسي”:

يعود لبنان مجددا إلى واجهة الاهتمام الإقليمي مع تكثيف الحراك الدبلوماسي العربي، ولا سيما السعودي ـ القطري، في محاولة لاحتواء احتمالات الانزلاق إلى مواجهة واسعة، وفتح ثغرة في جدار الأزمة المعقدة المرتبطة بملف السلاح ودور الدولة.
ويأتي هذا الحراك في لحظة إقليمية دقيقة، تتداخل فيها مسارات التهدئة مع حسابات الحرب إن وقعت، وتتشابك فيها أولويات العواصم المعنية بلبنان، من الخليج إلى طهران.
التحرك السعودي–القطري الذي خرج الى العلن من خلال لقاء جمع وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، ومستشار وزير الخارجية السعودي للشأن اللبناني الامير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان في الدوحة امس الأول لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين. فالتقارب السعودي–الإيراني، وما تبعه من خفض نسبي للتوترات، أرسى قاعدة سياسية تسمح بإدارة الأزمات بدل تفجيرها. وفي هذا السياق، تبدو الدوحة والرياض وكأنهما تتقاسمان أدوارا تكاملية: السعودية بثقلها العربي وقدرتها على رسم سقوف سياسية واضحة، وقطر بخبرتها في الوساطة وقدرتها على التواصل مع أطراف متباعدة، بما في ذلك القوى غير العربية.
لبنان، في هذه المقاربة، ليس ساحة صراع بقدر ما هو اختبار لإمكانية تثبيت منطق التهدئة الإقليمية. فشبح الحرب لا يقتصر على احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة، بل يتغذى أيضا من هشاشة الداخل اللبناني، وغياب توافق وطني حول مفهوم السيادة والسلاح.
من هنا، فإن أي مسعى لإبعاد هذا الشبح لا بد أن يمر عبر مقاربة شاملة، تربط بين الاستقرار الأمني وإعادة بناء الدولة.
فالتنسيق مع إيران يشكل عنصرا حاسما في هذا المسار. فطهران، بحكم نفوذها وتأثيرها في المعادلة اللبنانية، تملك مفاتيح أساسية لضبط الإيقاع أو تركه يتفلت. غير أن الرهان الخليجي لا يبدو قائما على انتزاع تنازلات كبرى بقدر ما يهدف إلى تثبيت خطوط حمراء: منع الانجرار إلى حرب مفتوحة، والحفاظ على حد أدنى من الاستقرار يسمح بإطلاق مسار سياسي تدريجي. في المقابل، تبدو إيران معنية بتجنب مواجهة إقليمية واسعة قد تستنزف مكتسباتها، ما يفتح نافذة ضيقة لكن واقعية للتفاهم.
أما ملف السلاح، وهو العقدة الأكثر حساسية، فلا يبدو مطروحا اليوم بمنطق الحسم أو الإلغاء بالقوة، بل ضمن مقاربة مرحلية تبحث عن مخرج ملائم يراعي توازنات الداخل وحسابات الخارج. الحديث هنا يدور عن إعادة إدراج هذا الملف ضمن إطار الدولة، ولو تدريجيا، عبر تعزيز دور المؤسسات الشرعية، وتكريس مبدأ القرار الوطني الواحد في السلم والحرب، وهذا المسار يتطلب وقتا وضمانات.
لا شك أن الاجتماعات واللقاءات بين العواصم المعنية تعكس إدراكا متزايدا بأن ترك لبنان لمصيره لم يعد خيارا آمنا. فالفوضى اللبنانية، إن انفجرت، لن تبقى محصورة داخل الحدود، بل سترتد على الإقليم برمته، سواء عبر موجات نزوح جديدة أو عبر توترات أمنية لا يمكن ضبطها. من هنا، يأتي الحرص الخليجي على الاستثمار السياسي في الاستقرار، وانطلاقًا من حسابات مصلحة واضحة.
مع ذلك، لا يمكن المبالغة في التفاؤل. فنجاح المسعى السعودي والقطري يظل مشروطا بعوامل عدة، أبرزها استعداد القوى اللبنانية لالتقاط الفرصة، والتخلي عن منطق المراهنة على الخارج. كما أن أي تفاهم إقليمي، مهما كان متينا، يبقى هشا إذا لم يُترجم بخطوات داخلية ملموسة تعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها.
انطلاقا منا تقدم يبدو أن هذا الحراك الدبلوماسي يملك القدرة على إبعاد شبح الحرب في المدى المنظور، وفتح نافذة لاحتواء ملف السلاح ضمن مسار سياسي طويل النفس. لكنه لا يشكل حلا سحريا، بل فرصة نادرة. والفرق بين الفرصة والإنجاز سيحدده اللبنانيون أولًا، بقدر ما تحدده العواصم التي قررت، ولو مرحليا، أن استقرار لبنان بات جزءا من استقرارها.

