باسم المرعبي – ناشر موقع “رأي سياسي”:
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1990، برز اسم رجل الأعمال رفيق الحريري كـ”عرّاب” لإعادة بناء لبنان، مستفيداً مما كان يُعرف بـ”إرث الطائف” وبفضل دعم دول الخليج والغرب. تولى رئاسة الحكومة في خمس حكومات منذ 1992 وحتى 2003، وكان دوره أساسياً في إعادة إعمار وسط بيروت وإعادة بناء مؤسسات الدولة، فتبلورت الحقبة الحريريّة كمرحلة من الاستقرار الاقتصادي والتحالفات السياسية المدنية.
لم يكن رفيق الحريري مجرد رئيس حكومة، بل كان مشروع دولة أعاد إعمارها بالحجر، وحاول ترميمها بالبشر. ومع اغتياله في 14 شباط 2005، لم يُغتل الرجل فقط، بل دخل لبنان نفقاً سياسياً جديداً تحكمت فيه ظلال “الحريرية السياسية” الممتدة حتى اليوم، وإن بأشكال متبدّلة.
مع اغتيال رفيق الحريري، توجّهت الأنظار نحو نجله البكر، بهاء الدين، باعتباره الخليفة الطبيعي. إلا أن مفاجأة العائلة ـ وبدعم إقليمي ودولي ـ كانت تسليم الراية السياسية لسعد الحريري، الشاب الذي لم يكن يومًا في الواجهة. وخلال سنوات، تحوّل سعد إلى زعيم الطائفة السنية، وأحد أركان تحالف 14 آذار الذي أخرج الجيش السوري من لبنان، ورفع شعار السيادة والاستقلال.
غير أن قيادة سعد لم تخلُ من العثرات. فتجربته الحكومية تعثرت أكثر من مرة، وتعرض لعزل داخلي وخارجي، أبرزها في استقالته الشهيرة من الرياض في 2017. أما الضربة القاضية، فجاءت عام 2022 حين أعلن تعليق عمله السياسي، تاركًا تيار “المستقبل” بلا رأس، والطائفة السنية بلا مرجعية.
في ظل هذا الفراغ، بدأ اسم بهاء الحريري يبرز مجدداً. لم يكن ظهوره الإعلامي جديداً، لكنه كان حتى وقت قريب مقتصراً على رسائل قصيرة وشعارات فضفاضة. أما التطور النوعي، فجاء في صيف 2024، حين عاد إلى بيروت، حاملاً شعار “استكمال مسيرة والدي الشهيد”.
زار بهاء مناطق لبنانية عدة، والتقى شخصيات سياسية وروحية واجتماعية. ثم عاد في آب الحالي بزيارة وُصفت بالسياسية، أطلق خلالها تصريحات لافتة، منها أن “سلاح الدولة وحده يجب أن يبقى”، ودعا إلى “وحدة الصف والمصالحة الوطنية”، ملمّحاً إلى أن عودته نهائية، وأن عائلته ستنتقل للإقامة الدائمة في لبنان اعتباراً من أيلول المقبل.
تزامنت عودة بهاء مع تحرك مماثل لشقيقه سعد، الذي قرر بعد ثلاث سنوات من الاعتكاف أن يعيد تيار “المستقبل” إلى المشهد السياسي. وجاء الإعلان في الذكرى العشرين لاغتيال والده، وسط حشد جماهيري في ساحة الشهداء، حيث أطلق خطابًا حماسيًا أكد فيه: “لن نترك الساحة، وسنواجه أي مشروع يعزل طائفتنا عن الدولة”.
وهكذا، يجد لبنان نفسه أمام مشهد غير مسبوق: شقيقان يتنافسان على إرث سياسي واحد، في وقت تشهد فيه الطائفة السنية غياب قيادة موحدة وأزمات متعددة.
بينما يُحضّر بهاء لإطلاق مشروعه السياسي تحت عنوان “المسار”، ويُعدّ ما يُقال إنها “خطة إنقاذ وطنية” من سبع ركائز، بالتنسيق على ما يبدو مع الرئيس فؤاد السنيورة، لكن السؤال: هل عودة بهاء تتم بالتنسيق مع شقيقه سعد؟
إن هذا مستبعد، كون الرئيس سعد الحريري يحاول إعادة ترميم ما تبقّى من “تيار المستقبل” الممزق تنظيمياً وماليًا.
يقول بعض المطلعين على العودة المتجددة لبهاء الحريري إلى لبنان إن هذه العودة مختلفة عن سابقاتها من حيث الشكل والمضمون، سيما وأن لقاءات وأحاديث يقوم بها بهاء الحريري مع سياسيين شاركوا في صياغة اتفاق الطائف، الذي يكرر التأكيد أنه سيعمل على تنفيذ كامل مندرجاته، ناهيك عن زياراته للقيادات الروحية، لا سيما مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وهو ما يطرح السؤال: هل نحن أمام نسج علاقات جديدة تمهد للمشاركة في الانتخابات النيابية العام المقبل؟
وهل هناك من ضوء أصفر سعودي لتحرك الشيخ بهاء ولقائه مع شخصيات سنية صاغت اتفاق الطائف وشاركت في اجتماعاته؟
هذا السؤال لن يطول وقت الإجابة عليه، سيما وأن معركة الانتخابات ستفتح بعد أشهر قليلة، وساعتئذ سيتبين ما إذا كانت هذه العودة مرتبطة بالانتخابات النيابية حصراً، أم أن هناك ما هو أكبر من ذلك بكثير.
وبلسان الشارع السني العريض هنا نقول: أما آن الأوان لأن تكون هناك صورة تجمع بهاء وسعد والسنيورة، والسيدة الفاضلة بهية الحريري ـ مع حفظ الألقاب ـ معًا؟
كما نقول للشيخ بهاء: البلد بحاجة لكم، الطائفة بحاجة لكم، كونوا على قدر كبير من المسؤولية أمام محبّيكم وأهلكم وبلدكم، ولكم منّا كل الدعم والتأييد للنجاح وإكمال مسيرة الرئيس الشهيد.