مع اقتراب الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة من كسر الأرقام القياسية بوصفه «أطول إغلاق» في التاريخ، يتخبّط الحزبان في دوامة من الاتهامات المتبادلة. وفيما يُصعّد الديمقراطيون والجمهوريون حدّة هجماتهم العلنية، ظهرت بارقة أمل طفيفة في الأيام الأخيرة مع بدء قيادات الحزبين في مجلس الشيوخ الحديث وراء أبواب مغلقة لمحاولة التوصل إلى اتفاق يضمن تمويل العام المقبل، ويكسر الجمود التشريعي.
استطلاعات الرأي
ولعلّ ما يُحرّك الدفة اليوم هو الرأي العام الأميركي، فقد أظهرت استطلاعات رأي جديدة أن ثلثي البلاد غير راضين عن المسار الحالي، وأن 68 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن الحزب الديمقراطي فقد تواصله معهم، مقابل 61 في المائة من الذين عدّوا الحزب الجمهوري منفصلاً عن الواقع.

ويُظهر الاستطلاع نفسه، الذي أجرته شبكة «إن بي سي»، بالتعاون مع «واشنطن بوست» و«إيبسوس»، أن 45 في المائة من الأميركيين يلومون الجمهوريين على الإغلاق، مقابل تحميل 33 في المائة من المستطلعة آراؤهم المسؤولية للديمقراطيين.
أرقام من شأنها أن تهز دعامة الحزبين، وتدفع بالقيادات نحو التحرك لإنقاذ أنفسهم من غضب الناخبين. فبعد عام بالضبط من اليوم، تُجرى الانتخابات النصفية، حيث يسعى الجمهوريون إلى الاحتفاظ بغالبيتهم في مجلسي الكونغرس، فيما يدفع الديمقراطيون نحو انتزاع هذه الأغلبية.

ولعلّ المعيار الأبرز الذي سيُركّز عليه الطرفان لجسّ نبض الشارع والتأكد من أن أرقام الاستطلاعات مُحقة هذه المرة، هو الانتخابات التي تشهدها ولايات فيرجينيا ونيوجيرسي وكاليفورنيا الثلاثاء؛ تحديداً السباق على منصب حاكم الولاية في فيرجينا ونيوجيرسي، والاستفتاء الذي ستجريه ولاية كاليفورنيا بدفع من حاكمها الديمقراطي غافين نيوسوم لإعادة رسم الدوائر الانتخابية في الولاية وضمان حصولها على 5 مقاعد ديمقراطية إضافية في مجلس النواب، على غرار ما فعلت ولاية تكساس «الحمراء».
وتُعدّ هذه الانتخابات مؤشراً مهماً من شأنه أن يدفع بأحد الحزبين إلى التنازل لمصلحة الآخر في معركة الإغلاق الحكومي. ففي حال فوز الديمقراطيتين أبيغايل سبانبرغر وميكي شيريل، في سباق الحاكم بولايتَي فيرجينيا ونيوجيرسي، وموافقة سكان كاليفورنيا على طرح نيوسوم، فسينظر الديمقراطيون إلى هذا الفوز على انه دليل ساحق على تفوقهم في معركة الإغلاق. لكن إذا تقدّم الجمهوريون، خصوصاً في ولاية نيوجيرسي، في السباق، أو حققوا نتائج متقاربة، فسيعدّون أن سخط الشارع متساوٍ بالنسبة إلى الحزبين.
«الخيار النووي»
في انتظار نتائج انتخابات الثلاثاء وانعكاساتها، يلعب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، دوراً بارزاً في دفع الجمهوريين نحو الالتزام بموقفهم الرافض التسوية… فبدلاً من الدعوة إلى التفاوض، أعاد ترمب طرح فكرة «الخيار النووي» الذي دعا إليه بعد عودته من جولته الآسيوية. ولا يرتبط هذا الخيار بترسانة الأسلحة النووية الأميركية، بل هو تعبير أُطلق لتوصيف تكتيك تشريعي خطير يُلغي ما تُسمّى «قاعدة الـ60» في مجلس الشيوخ.

ففي هذا المجلس، على خلاف مجلس النواب، لا يمكن إقرار مشروعات مثيرة للجدل من دون تصويت 60 سيناتوراً لإنهاء النقاش بشأنها، والتصويت النهائي عليها. وهذا ما يُميّز بشكل أساسي بين عمل المجلسين، ويضمن حقوق الأقلية الحزبية.
وكانت التعيينات الرئاسية تصُبّ في خانة الـ60 صوتاً، إلى أن أُلغيت من قبل الديمقراطيين في عام 2013. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، قررّ زعيم الأغلبية الديمقراطية حينها، هاري ريد، إلغاء «قاعدة الـ60»، بحُجّة أن الجمهوريين عطّلوا كثيراً من تعيينات الرئيس الأميركي حينها، باراك أوباما، فاستعمل ما بات معروفاً بـ«الخيار النووي»، نظراً إلى خطورته الفائقة على موازين القوى في الكونغرس، وتخطى المعارضة الجمهورية عبر فرض قاعدة الغالبية البسيطة للمصادقة على كل تعيينات الرئيس، باستثناء تعيينات المحكمة العليا.

إلا إنّ السحر انقلب على الساحر، وما فعله ريد في عام 2013 مهّد الطريق أمام زعيم الأغلبية الجمهوري ميتش مكونيل لفرض القاعدة نفسها على تعيينات المحكمة العليا عام 2017 للتغلب على المعارضة الديمقراطية لمرشح الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لمنصب قاضٍ في المحكمة العليا القاضي؛ المحافظ نيل غورسيتش.
وتمكّن مجلس الشيوخ من المصادقة على مرشحي ترمب الثلاثة لأعلى سلطة قضائية في البلاد، هم: غورسيتش، ومن بعده بريت كافناه خلفاً للمعتدل أنتوني كيندي، ثمّ إيمي كوني بارات، خلفاً لليبرالية روث غينزبيرغ.

اليوم، لا تزال «قاعدة الـ60» تنطبق على مشروعات القوانين، وحتى الساعة، لم يظهر زعيم الجمهوريين، جون ثون، أي تجاوب مع مطالب ترمب بإلغائها. لكن هذا لم يثن الرئيس الأميركي عن الاستمرار في الدفع نحو مطلبه، قائلاً: «ألغوا الـ(فيليبستر – قاعدة الـ60)، ليس فقط بسبب الإغلاق الحكومي؛ بل من أجل كل شيء آخر… أيها الجمهوريون: كونوا حازمين و أذكياء».

									 
					