أعلن فريق دولي من العلماء عن نجاحهم في طباعة “جزر بنكرياسية” بشرية وظيفية باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، ما يمهد الطريق لعلاج ثوري لمرضى السكري من النوع الأول.
وسكري النوع الأول مرض مزمن من أمراض المناعة الذاتية، إذ يقوم الجهاز المناعي في الجسم بمهاجمة وتدمير الخلايا المنتجة للأنسولين المعروفة باسم “الجزر” في البنكرياس؛ ونتيجة لذلك لا يستطيع الجسم إنتاج الأنسولين اللازم لتنظيم مستويات السكر في الدم.
يعتمد مرضى السكري من النوع الأول على حقن الأنسولين اليومية بسبب تدمير جهاز المناعة للجزر البنكرياسية المسؤولة عن إنتاج هذا الهرمون، وقد سعى العلماء منذ سنوات لاستبدال هذه الجزر عن طريق الزرع، لكنهم واجهوا تحديات كبيرة تتعلق بفقدان الخلايا، وصعوبة البقاء الوظيفي لها على المدى الطويل.
وبحسب الدراسة المنشورة أثناء فعاليات مؤتمر الجمعية الأوروبية لزراعة الأعضاء؛ استخدام العلماء “حبر بيولوجي” جديد مكون من “الألجينات”، وهي مادة طبيعية مستخلصة من الطحالب إلى جانب نسيج بنكرياسي بشري منزوع الخلايا.
ومكن هذا الخليط الفريق من طباعة “جزر بنكرياسية” عالية الكثافة وقادرة على البقاء حية ونشطة لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع، محتفظة بقدرتها على الاستجابة للسكر، وإفراز الأنسولين بكفاءة.
وخلافا للزرع التقليدي الذي يتم داخل الكبد وغالباً ما يؤدي إلى فقدان نسبة كبيرة من الخلايا المزروعة؛ تُصمم الجزر المطبوعة ليتم زرعها تحت الجلد، وهي عملية بسيطة تتطلب فقط تخديراً موضعياً وشقاً صغيراً، ووفقاً للفريق فإن هذا النهج “الأقل توغلاً” قد يوفّر خياراً أكثر أماناً وراحة للمرضى.
وأعاد الفريق خلق بيئة البنكرياس الطبيعية بحيث تتمكن الخلايا المزروعة من البقاء والعمل بشكل أفضل، باستخدام الحبر البيولوجي الذي يحاكي البنية الداعمة للبنكرياس، ويوفر الأوكسجين، والمغذيات اللازمة.
ولحماية الخلايا الهشة أثناء الطباعة، طوّر الفريق طريقة أكثر لطفاً من خلال تقليل الضغط المستخدم، وخفض سرعة الطباعة، وقد ساعد هذا التعديل على تقليل الإجهاد الميكانيكي والحفاظ على الشكل الطبيعي للجزر، وهو تحد تقني كبير لطالما أعاق تقدم الطباعة البيولوجية.
تحول محتمل في علاج السكري
وأظهرت التجارب أن أكثر من 90% من الخلايا ظلت حية بعد الطباعة، كما أظهرت استجابة أفضل لمستويات الجلوكوز مقارنة بالطرق التقليدية، مما يعني إفرازاً أكثر دقة للأنسولين عند الحاجة، وبعد 21 يوماً، حافظت هذه الجزر على بنيتها دون تكتل أو انهيار، وهي مشكلة شائعة في المحاولات السابقة.
وتميزت الهياكل المطبوعة بتصميم مسامي يسمح بتدفق الأوكسجين، والمغذيات بسهولة إلى داخل الخلايا، ما ساعد على تعزيز صحتها، ودعم تشكل الأوعية الدموية اللازمة لبقائها على قيد الحياة بعد الزرع.
ويقول الباحثون إن هذا التصميم يعد مفتاحاً لتحسين أداء الجزر بعد زرعها في الجسم، مؤكدين أن الدراسة الحالية من أولى الدراسات التي تستخدم جزراً بشرية حقيقية بدلاً من خلايا حيوانية والتي تظهر نتائج مشجعة للغاية، وكما يقولون إنهم يقتربون من إمكانية إنتاج علاج جاهز يمكن استخدامه دون الحاجة إلى الحقن المتكرر بالأنسولين.
ويعمل الفريق حالياً على اختبار الجزر المطبوعة في نماذج حيوانية، إلى جانب استكشاف تقنيات التخزين بالتجميد التي قد تسمح بتخزين هذه الهياكل وتوزيعها عالمياً.
كما يجري العمل على استخدام مصادر بديلة للخلايا، مثل الجزر المشتقة من الخلايا الجذعية أو حتى خلايا من الخنازير، في خطوة تهدف إلى تجاوز نقص المتبرعين.
على الرغم من أن العلاج لا يزال في مراحله التجريبية، إلا أن العلماء يرون فيه نقطة تحول كبيرة في مجال علاج السكري؛ فإذا أثبتت التجارب السريرية فعاليته، فقد يغيّر هذا الابتكار حياة الملايين من المصابين حول العالم.