ترمب يجيز عمليات لـ«سي آي إيه» ويلوّح بضربات في فنزويلا
أذن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» بتنفيذ عمليات سريّة في فنزويلا، ولوّح بتوسيع نطاق الغارات العسكرية الأميركية ضد القوارب المتهمة بتهريب المخدرات عبر البحر الكاريبي لتشمل الأراضي الفنزويلية، في تصعيد للضغوط على نظام الرئيس نيكولاس مادورو.
وبعد التسريبات في شأن توقيعه على وثيقة سرية للغاية باسم «الاستنتاج الرئاسي» تسمح للاستخبارات بالقيام بعمليات سريّة في دول أجنبية، تتراوح من عمليات جمع المعلومات إلى تدريب قوات المعارضة المسلحة وتنفيذ ضربات قاتلة، لم يوضح ما إذا كان سمح بالإطاحة بمادورو، وهي خطوة حضه عليها بعض كبار مساعديه، وفي مقدمتهم وزير الخارجية ماركو روبيو الذي يتولى أيضاً منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض. ولكن ترمب قال خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض: «أعتقد أن فنزويلا تشعر بالخطر»، مضيفاً: «نحن بالتأكيد ندرس شنّ هجمات برية الآن، لأننا نسيطر تماماً على البحر».
وبرر الرئيس الأميركي تفويضه لـ«سي آي إيه» بأن فنزويلا «أفرغت سجونها في الولايات المتحدة»، فيما بدا أنه تكرار لاتهامات إدارته بأن أعضاء عصابة «ترين دي أراغوا» أُرسلوا إلى الولايات المتحدة لارتكاب جرائم. وهو كان قال في مارس (آذار) الماضي إن العصابة، التي تأسست في سجن فنزويلي، منظمة إرهابية «تشن حرباً غير نظامية» ضد الولايات المتحدة بأوامر من حكومة مادورو.
إجراءات ضد مادورو
ستُمثّل أي ضربات على الأراضي الفنزويلية تصعيداً كبيراً بعد هجمات ضد القوارب أكدت إدارة ترمب أنها وقعت في المياه الدولية. ستسمح السلطة الجديدة لـ«سي آي إيه» باتخاذ إجراءات سريّة ضد مادورو أو حكومته، إما بشكل منفرد أو بالتزامن مع عملية عسكرية أوسع. ولا يُعرف ما إذا كانت الوكالة تخطط لأي عمليات محددة في فنزويلا. بيد أن هذا التطور يأتي في وقت يخطط فيه الجيش الأميركي لتصعيد محتمل، ويضع خيارات أمام الرئيس ترمب للنظر فيها، بما في ذلك توجيه ضربات داخل فنزويلا.
ويُعد حجم التعزيزات العسكرية الأميركية في المنطقة كبيراً، إذ يوجد في المنطقة حالياً نحو عشرة آلاف جندي أميركي، معظمهم متمركز داخل قواعد في بورتوريكو، بالإضافة إلى فرقة من مشاة البحرية «المارينز» على متن سفن هجومية برمائية، من ضمن ثماني قطع بحرية حربية وغواصة في البحر الكاريبي.
في المقابل، رفضت السلطات الفنزويلية في بيان اللغة «العدائية» من ترمب، متهمة إياه بالسعي إلى «إضفاء الشرعية على تغيير النظام بهدف الاستيلاء على موارد فنزويلا النفطية». وأعلنت أنها تعتزم إثارة المسألة في مجلس الأمن، واصفة تصرفات ترمب بأنها «انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة».
وكان الرئيس ترمب أمر بإنهاء المحادثات الدبلوماسية مع حكومة مادورو في مطلع هذا الشهر، بعدما شعر بالإحباط من عدم استجابة الرئيس الفنزويلي لمطالب الولايات المتحدة بالتخلي عن السلطة طواعية، وإصرار المسؤولين الفنزويليين على عدم تورطهم في تهريب المخدرات.
تدخلات تاريخية
لطالما تمتعت وكالة الاستخبارات المركزية بسلطة العمل مع حكومات أميركا اللاتينية في المسائل الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية. وسمح ذلك للوكالة بالعمل مع المسؤولين المكسيكيين لاستهداف عصابات المخدرات. لكن هذه التصاريح لا تسمح للوكالة بتنفيذ عمليات قاتلة مباشرة.
وتهدف الاستراتيجية التي وضعها وزير الخارجية روبيو بمساعدة مدير «سي آي إيه» جون راتكليف إلى الإطاحة بمادورو من الحكم.
ووعد راتكليف بأن تصير الوكالة تحت قيادته أكثر عدوانية. وخلال جلسة تأكيد تعيينه، أفاد بأنه سيجعل الوكالة أقل نفوراً من المخاطرة وأكثر استعداداً للقيام بعمليات سرية عندما يأمرها الرئيس «بالذهاب إلى أماكن لا يمكن لأحد آخر الذهاب إليها، والقيام بأشياء لا يمكن لأحد آخر القيام بها».
وعرضت الولايات المتحدة 50 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو وإدانته بتهم تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. ووصف روبيو مادورو بأنه غير شرعي على خلفية اتهامات للرئيس الفنزويلي بأنه منع الحكومة المنتخبة ديمقراطياً العام الماضي من تولي السلطة. وتكرر إدارة ترمب أن مادورو يسيطر على «ترين دي أراغوا». لكنّ تقييماً أجرته وكالات الاستخبارات الأميركية يُناقض هذا الاستنتاج.
وفيما قدمت إدارة ترمب مبررات قانونية واهية نسبياً لحملتها، أخبر ترمب الكونغرس أنه قرر أن الولايات المتحدة تخوض صراعاً مسلحاً مع عصابات المخدرات. وفي إشعار الكونغرس أواخر الشهر الماضي، أعلنت إدارة ترمب أن العصابات التي تُهرب المخدرات هي «جماعات مسلحة غير حكومية» تُشكل أفعالها «هجوماً مسلحاً على الولايات المتحدة».
ويُعدّ تاريخ عمل وكالة الاستخبارات المركزية في العمل السري في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي متبايناً في أحسن الأحوال. ففي عام 1954، دبّرت الوكالة انقلاباً أطاح بحكم الرئيس جاكوبو أربينز في غواتيمالا. وانتهى غزو خليج الخنازير لكوبا بدعم من «سي آي إيه» عام 1961 بكارثة. وفي العام نفسه، زوّدت الوكالة بالأسلحة المنشقين الذين اغتالوا الزعيم الدومينيكاني رافاييل ليونيداس تروخيو مولينا. وكان للوكالة يد أيضاً في انقلاب عام 1964 في البرازيل، ومقتل تشي غيفارا ومؤامرات أخرى في بوليفيا، وانقلاب عام 1973 في تشيلي، وقتال «الكونترا» ضد الحكومة الساندينية اليسارية في نيكاراغوا في الثمانينات من القرن الماضي.