الذكاء الاصطناعي يكتب رسائل مختلقة للرد على نتائج الأبحاث العلمية
تزداد رسائل الكُتّاب المدونة بواسطة روبوتات الدردشة الموجهة إلى رؤساء تحرير المجلات العلمية حول العالم، وفقاً لتقارير جديدة ولمحرري المجلات أنفسهم.
النشر العلمي… في خطر
وتُعرّض هذه الممارسة جزءاً من النشر العلمي للخطر، وهو النشر الذي يراه المحررون ضرورياً لصقل نتائج الأبحاث وإيجاد اتجاهات جديدة في البحث.
تجربة عالم في الأمراض الاستوائية
وبدأت دراسة حول هذه المشكلة بعد حادثة وقعت مع اختصاصي أمراض استوائية مرّ بتجربة غريبة، إذ تسلم رسالة كتبها روبوت دردشة. وقرر العالم معرفة ما يحدث بالضبط، ومن كان يُرسل كل هذه الرسائل.
صرح العالم، الدكتور كارلوس شكور Dr. Carlos Chaccour، من معهد الثقافة والمجتمع بجامعة نافارا University of Navarra في إسبانيا، بأن دراسته لهذه المشكلة بدأت مباشرةً بعد نشره بحثاً في مجلة «نيو إنغلاند» الطبية، إحدى أعرق المجلات العلمية في العالم. وتناول البحث، الذي نُشر في يوليو (تموز)، مكافحة عدوى الملاريا باستخدام الإيفرمكتين ivermectin، وقد نُشر مع افتتاحية أشادت بالنتائج.
وبعد 48 ساعة، تلقت المجلة رسالة شديدة اللهجة. فكّر المحررون في نشرها، ولكن كما جرت العادة، أرسلوها إلى شكور للرد عليها.
رسالة اعتراضات… بالذكاء الاصطناعي
بدأت الرسالة بعبارة «نريد إثارة اعتراضات قوية»، مشيرةً إلى أن شكور وزملاءه لم يشيروا إلى بحثٍ قيّم نُشر عام 2017 يُظهر أن البعوض يُصبح مقاوماً للإيفرمكتين.
وفي الواقع، كان شكور على درايةٍ تامة بهذه «الرسالة القيّمة». فقد كتب ذلك البحث هو نفسه مع زميل له، ولم يُشر البحث إلى أن البعوض يُصبح مقاوماً.
ثم تابعت الرسالة قائلةً إن النموذج الاقتصادي المطروح أظهر أن طريقة مكافحة الملاريا لن تنجح… ومرة أخرى، كانت الإشارة إلى بحثٍ أجراه شكور وزملاؤه.
وفكّر شكور: يذكرني «أنا مرةً أخرى؟ حقاً؟». وفي الواقع لم تشر دراسته المذكورة تلك إلى أن الطريقة لن تنجح.
اكتشاف أصل الرسالة
وقرر شكور: «لا بد أن هذا ذكاءٌ اصطناعي»، كتب الرسالة. وعلّل شكور ذلك بأنه لا بد من استخدام نموذج لغوي ضخم لكتابة الرسالة. وقال العالم إنه يعتقد أن كاتب الرسالة، وفي أثناء بحثه عن مراجع في مجال متخصص لا يتوفر بكثرة، عثر على ورقتين بحثيتين لشكور. وأخبر العالم المجلة بما وجده، لذا أوقفت المجلة نشر الرسالة.
رسائل الردود تُنشر بوصفها منشورات علمية
وصرح الدكتور إريك روبين، رئيس تحرير المجلة، بأنه لم يفكر في إمكانية كتابة روبوتات الدردشة للرسائل حتى سمع بتجربة شكور. وأشار في مقابلة إلى أن هناك سبباً يدفع المؤلفين للجوء إلى الذكاء الاصطناعي.
وفي العادة، تُدرج الرسائل الموجهة إلى المحرر، والتي تنشر في المجلات العلمية، في قواعد البيانات التي تُدرج فيها أيضاً مقالات المجلات. وقال روبين إنها «تُحتسب بقدر المقالة العلمية». وأضاف: «مقابل بذل جهد بسيط، يمكن لأي شخص إضافة مقال في مجلة نيو إنغلاند الطبية إلى سيرته الذاتية… لذلك فالدافع للغش كبير».
طبيب شرق أوسطي كاتب الرسالة
وتساءل شكور: من هذا الشخص الذي أرسل الرسالة؟ واكتشف أن المؤلف طبيب من دولة شرق أوسطية لم ينشر أي رسائل إلى محرري المجلات العلمية حتى عام 2024. وفجأة، في عام 2025، نشر 84 رسالة، حول 58 موضوعاً.
وقال شكور مشيراً إلى إبداعاته: «إنه ليوناردو».
كتّاب كثر ظهروا بعد ظهور الذكاء التوليدي
اعتقد شكور أن من الأفضل الكتابة عن تجربته. وتضمنت الدراسة تحليلاً لأكثر من 730000 رسالة إلى محرري المجلات نُشرت منذ عام 2005. وقد نُشرت على الإنترنت قبل تقديمها إلى مجلة مُحكمة.
وقال شكور: «حدث شيء ما في عام 2023». ظهر فجأةً كُتّابٌ لم ينشروا رسائلَ كثيرةً أو لم ينشروا رسائلَ على الإطلاق قبل ذلك، ثم فجأةً أصبحت رسائلهم تُنشر بانتظام – مُنتقلين، كما قال شكور: «من الصفر إلى الشهرة».
نشر أحد الكُتّاب، من دولةٍ في جنوب شرقي آسيا، 234 رسالةً في عام 2024، و243 رسالةً حتى 31 أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، بعد أن لم ينشر أي رسالةٍ في عام 2023.
كما حدّد 128 كاتباً لم ينشروا رسالةً قط. ثم، في عامهم الأول بصفتهم كتّاب رسائل، كان لديهم ما لا يقل عن 10 رسائل منشورة.
وقال شكور إن ما يصل إلى 3000 مؤلف لم يسبق لهم نشر رسالة قبل عام 2023 نشروا ثلاثاً على الأقل. وأضاف: «إذا ظهر شخص ما فجأة وكتب ثلاث أو خمس أو عشر رسائل في عام واحد، فهذا أمر مثير للدهشة… فلكتابة رسالة، تحتاج إلى خبرة، ويجب أن تكون على اطلاع دائم بالأدبيات».
رسائل مشبوهة
ووصلت رسائل غريبة إلى:
* «مجلة الصداع»
بدأت الدكتورة آمي غيلفاند، رئيسة تحرير مجلة «الصداع» journal Headache، في تلقي رسائل مشبوهة. وقالت إن أحد الأدلة هو الرسائل التي تصل بعد يومين من نشر البحث. وأضافت أن المؤلفين من البشر يمضون عادةً بضعة أسابيع قبل الكتابة.
وبدأت في البحث عن مؤلفي الرسائل المشكوك فيها في موقع «PubMed»، وهي قاعدة بيانات للمنشورات العلمية. وقد نشر أحد مؤلفي إحدى الرسائل الحديثة ست رسائل إلى المحرر هذا الشهر في ست مجلات حول ستة مواضيع.
*مجلة «الإدمان»
تلقى كيث همفريز، نائب رئيس تحرير مجلة «الإدمان» Addiction، ما بدا أنه رسالة معقولة إلى المحرر، وأرسلها إلى مؤلفي ورقة البحثية للتعليق عليها.
اتضح أن مؤلفي الرسالة المقيمين في الصين، كانوا منتجين للغاية. في غضون ستة أشهر، نشروا رسائل إلى محرري مجلات في أمراض القلب، وطب الطوارئ، والغدد الصماء، وأمراض الجهاز الهضمي، وأمراض الكبد، وعلم المناعة، وطب العناية المركزة. وقال همفريز: «لقد أتقنوا كل مجال على حدة».
ازدياد نسبة رسائل الردود العلمية
وجد شكور وزملاؤه أن عدد الرسائل المشبوهة في ازدياد مستمر. في عام 2023، بلغت نسبة الرسائل التي كتبها مؤلفون غزيرو الإنتاج – أولئك الذين نشروا ثلاثاً أو أكثر في عام واحد – 6 في المائة. في عام 2024، بلغت 12 في المائة. هذا العام، أفاد الباحثون بأنها تقترب من 22 في المائة.
وقال شكور إنهم يغزون المجلات «مثل أوميكرون»، في إشارة إلى متحور كوفيد الذي سرعان ما أصبح مهيمناً. وقال روبين إن الوضع «ليس جيداً». لكن الحل لا يكمن في التوقف عن نشر الرسائل. وأضاف: «أحياناً تحتوي الرسائل على معلومات بالغة الأهمية. الرسائل الجيدة تطرح أسئلة جيدة أو تثير نقاطاً لا يطرحها المؤلفون». وتتابع غيلفاند: «من دون رسائل، نفقد كل القيمة، والرؤى الجديدة، والانتقادات والمناقشات المهمة حول معناها للعلم».
خطوات لمكافحة الرسائل «الاصطناعية»
وهناك فكرة أخرى تتمثل في التوقف عن فهرسة الرسائل، حتى لا تظهر في «PubMed». وتقول غيلفاند إن هذا أيضاً ليس حلاً جيداً. فالروابط الموجودة في هذا الموقع من الرسائل مفيدة للباحثين.
في الوقت الحالي، لا يوجد اتفاق على ما يجب فعله. وقال شكور إنه على الرغم من أن تجربته مع رسالة الدكتور ب. س. كانت مضحكة، لكن الصورة الكبرى ليست كذلك. وأضاف: «الأمر مرعب».
* خدمة «نيويورك تايمز».

