جرت أول مناظرة في الانتخابات العامة لمنصب عمدة مدينة نيويورك في أجواء محتدمة، تبادل خلالها المرشحون الثلاثة، زهران ممداني عن الحزب الديمقراطي والحاكم السابق لولاية نيويورك أندرو كومو، والمرشح الجمهوري كورتس سيلوا، الاتهامات حول عدد من القضايا، فيما استحوذت الحرب الإسرائيلية على غزة على جزء كبير من النقاش.
وجّه ممداني انتقادات لكومو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكداً عزمه على كبح الأسعار وخفض الإيجارات، ومكافحة الجريمة في مدينة نيويورك.
أما كومو، البالغ من العمر 67 عاماً والذي يحتل المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي، فكانت مهمته “أصعب” في توجيه ضربة مؤثرة لممداني البالغ 33 عاماً، وتقديم نفسه كبديل واقعي ذي خبرة، وفقاً لـ”نيويورك تايمز”.
في حين أن كورتس سيلوا، البالغ 71 عاماً، كافح للحصول على وقت للكلام، وهاجم كلاً من ممداني وكومو.
هجوم ممداني على كومو
على الرغم من تقدمه المريح في استطلاعات الرأي، لم يتصرف ممداني بحذر، واعتبر أن كومو لا يفهم أزمة القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة في المدينة، وأنه “يفتقر إلى النزاهة”.
ورد ممداني على هجمات كومو بشأن شقته الخاضعة لقانون تثبيت الإيجارات في كوينز بنيويورك، حيث قال كومو إن مثل تلك الشقق يجب أن تقتصر على سكان الطبقة العاملة فقط.
وقال ممداني: “لقد سمعتم من أندرو كومو أن الأزمة رقم واحد في هذه المدينة هي أزمة الإسكان، وحلها في رأيه هو طردي أنا وزوجتي”. وأضاف: “يظن أن التعامل مع الأزمة يكون بتمكين المالك من رفع إيجاري”.
ثم توجه إلى الناخبين قائلاً: “إذا كنتم تعتقدون أن المشكلة في هذه المدينة هي أن إيجاري منخفض جداً، فصوّتوا له، وإذا كنتم تعلمون أن المشكلة هي أن إيجاركم أنتم مرتفع جداً، فصوّتوا لي”.
وعندما انتقد كومو محدودية خبرة ممداني في الحكومة، رد الأخير بتسليط الضوء على سجل كومو أثناء توليه المنصب. علماً أن كومو استقال من منصبه كحاكم عام 2021 بعد سلسلة من اتهامات “التحرش الجنسي”.
وقال ممداني: “ما أفتقر إليه من خبرة أعوضه بالنزاهة، وما تفتقر إليه أنت من نزاهة لا يمكنك أن تعوضه بالخبرة”.
وعرف ممداني في حملته الانتخابية بطريقته الودّية والمرحة، لكنه لم يُظهر هذا الجانب الهجومي كثيراً في السابق، وفق “نيويورك تايمز”.
وركّز ممداني على طرح خططه لجعل المدينة ميسورة التكلفة، وقال إن “الرعاية الشاملة للأطفال ستكون أولويته القصوى”. لكن سيلوا سخر من هذه الخطط قائلاً: “أحلامك هذه لن تتحقق، لا يمكنك تمويل كل ما تريده مجاناً، مجاناً.. إنها خيالات”.
حرب إسرائيل على غزة
دافع ممداني على آرائه المعارضة للحرب الإسرائيلية على غزة، كما وصف قتل المدنيين وتجويعهم في القطاع الفلسطيني بأنه “إبادة جماعية”.
وهاجم كومو تصريحات ممداني، بما في ذلك اعتقاده أن إسرائيل لا ينبغي أن تكون “دولة يهودية” بل دولة مدنية للجميع.
وقال ممداني: “قلت مراراً وتكراراً إنني أقر بحق إسرائيل في الوجود، لكنني لا أقر بحق أي دولة في الوجود إذا كان نظامها يقوم على التراتبية على أساس العرق أو الدين”.
واتهم كومو خصمه ممداني بأنه ليس ديمقراطياً حقيقياً، مشيراً إلى أنه دعم حملة “اتركها فارغة” التي دعت إلى الامتناع عن التصويت لنائبة الرئيس كامالا هاريس في الانتخابات التمهيدية الرئاسية، احتجاجاً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل خلال الحرب على غزة.
ورد ممداني: “قلتُ اتركها فارغة في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لأن الانتخابات التمهيدية هي مكان للتعبير عن المعارضة، ومثل كثير من الأميركيين، شعرت بالرعب من الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين”.
وحاول ممداني توضيح تصريحاته التي أدلى بها في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز”، الأربعاء، حين لم يجب مباشرة عندما سُئل ما إذا كان يجب على “حماس” إلقاء سلاحها. وقال ممداني: “بالطبع أعتقد أنه يجب عليهم إلقاء أسلحتهم.. الدعوة إلى وقف إطلاق النار تعني التوقف عن إطلاق النار، أي أن على جميع الأطراف التوقف ووضع أسلحتهم، والسبب في ذلك ليس فقط لإنهاء الإبادة الجماعية، بل أيضاً للسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق”.
وتابع ممداني: “علينا أيضاً ضمان معالجة الأسباب التي سبقت هذا الوضع، مثل الاحتلال والحصار ونظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، وهذا ما أرجو تحقيقه”.
وقال سيلوا من جانبه لممداني، إنه لن يكون قادراً على التعامل مع أزمة مثل “أعمال الشغب العرقية في كراون هايتس عام 1991” التي تضمنت أعمال عنف ضد يهود. وأضاف: “اليهود لا يثقون في أنك ستكون هناك لحمايتهم عندما يتعرضون لهجمات معادية للسامية”.
هجمات كومو “متكررة ومتشابهة”
كان كومو بحاجة إلى ليلة قوية ولحظة حاسمة تُظهر للناخبين والمتبرعين أنه ما زال قادراً على المنافسة، لكن لم يتضح أنه نجح في ذلك، وفق “نيويورك تايمز”.
كانت هجماته على ممداني متكررة ومتشابهة، ركّز على آرائه بشأن إسرائيل، واعتبره عديم الخبرة، واتهمه بأنه يساري أكثر من اللازم لحكم نيويورك، مقارناً إياه سلباً بالعمدة السابق بيل دي بلازيو.
وقال كومو: “إذا نظرت إلى العمداء الفاشلين، ستجد أنهم لم يمتلكوا أي خبرة إدارية، لا تكرروا نفس الخطأ”.
لكن حتى أثناء تفاخره بخبرته كحاكم، اضطر للتطرق إلى الجوانب غير الشعبية في مسيرته، مثل طريقة تعامله مع وفيات دور رعاية المسنين خلال جائحة كورونا، واتهامات التحرش الجنسي، مما استنزف وقت المناظرة الذي كان يمكن أن يستخدمه لعرض رؤية جديدة للمدينة.
ولكي يعود للمنافسة، يحتاج كومو إلى جذب قاعدة دعم جديدة، لكنه تمسك بنفس الأجندة والمبادئ التي خسر بها حملته السابقة في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية.
وعندما سُئل عن الدروس التي تعلمها من تلك التجربة، ركّز على الأسلوب أكثر من المضمون، قائلاً إنه كان يتمنى لو قام بحملة أكثر نشاطاً وحضوراً على وسائل التواصل الاجتماعي.
سيلوا يهاجم كومو أكثر من ممداني
وهاجم سيلوا كومو أكثر من ممداني، حتى أنه قارنه سلباً بوالده الراحل ماريو كومو، قائلاً: “لقد عرفت ماريو كومو، وأنت لست ماريو كومو”.
وتجنب سيلوا ارتداء قبعته الحمراء الشهيرة، وهاجم كومو على خلفية مزاعم التحرش الجنسي، وطريقة إدارته للجائحة، وتكاليف أتعابه القانونية التي تغطيها الدولة.
وتعكس هجماته واقعاً سياسياً: إذ إن كليهما يتنافسان على نفس قاعدة الناخبين الوسطيين والمحافظين. كما ضاق سيلوا ذرعاً بمحاولات كومو لإبعاده من السباق لتوحيد الأصوات غير المؤيدة لممداني.