حسين زلغوط, خاص “رأي سياسي”:

في لحظة شديدة الحساسية والقلق يعيشها لبنان بفعل التهويل الإسرائيلي اليومي، خرجت القاهرة بموقف واضح يحمل نبرة تحذير من اندلاع حرب جديدة على الساحة اللبنانية. وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي شدّد بوضوح خلال جولته على المسؤولين اللبنانيين أمس على أن بلاده “تخشى على أمن واستقرار لبنان”، في عبارة تعكس حجم القلق العربي من التصعيد الإسرائيلي المتسارع ضد لبنان. هذا الموقف جاء ضمن سلسلة اتصالات وتحركات دبلوماسية مكثفة تقوم بها مصر في محاولة لاحتواء التوتر قبل انفلاته نحو حرب واسعة.
منذ الأسابيع الماضية، يتصاعد التوتر بين لبنان وإسرائيل بشكل مطّرد نتيجة الغارات المتكررة والتصعيد العسكري الإسرائيلي، والذي كان آخره عملية اغتيال قادة من حزب الله في الضاحية الجنوبية الأحد الفائت.
ورغم الحديث عن اتفاقات تهدئة أو تفاهمات ميدانية غير معلنة، إلا أن الوقائع على الأرض توحي بأن الوضع لا يزال هشًّا وقابلاً للانفجار في أي لحظة. من هنا، تتقدم القاهرة إلى الواجهة لتطلق تحذيرًا يبدو أنه يستند إلى تقديرات واقعية لا إلى مجرد قراءة سياسية: أيّ عملية عسكرية واسعة قد تُقدم عليها إسرائيل ستكون لها تداعيات كارثية على لبنان والمنطقة.
إن مصر تدرك أن أي حرب في لبنان لم تعد قابلة للحصر جغرافيًا كما في العقود الماضية، بل ستنعكس مباشرة على الأمن في المنطقة. لذلك، جاء خطاب وزير الخارجية المصري ليحمل رسائل متوازية: رسالة تضامن مع لبنان، ورسالة تحذير إلى إسرائيل، ورسالة تذكير للمجتمع الدولي بأن الانفجار المقبل لن يكون حادثًا عابرًا بل تحولاً استراتيجيًا خطيرًا.
والقاهرة تحاول أيضًا، من خلال هذه المواقف، استعادة موقعها الطبيعي كقوة عربية محورية تمتلك القدرة على الوساطة بين الأطراف المتصارعة. ومن الواضح أن هناك اتصالات مصرية نشطة، بعضها معلن وبعضها الآخر خلف الكواليس، تهدف إلى منع انزلاق الوضع إلى مواجهة شاملة. وتشمل هذه التحركات تنسيقًا مع عواصم عربية ومع القوى الدولية المؤثرة، لا سيما إيران، في محاولة لتثبيت خطوط حمراء تمنع إسرائيل من الذهاب بعيدًا في خياراتها العسكرية، وتحثّ الأطراف اللبنانية على تحصين الداخل.
إن التحذير المصري لا يُقرأ فقط على أنه دعم للبنان، بل أيضًا كتعبير عن خوف حقيقي من أن يتسبب أيّ عدوان إسرائيلي واسع بتدمير بنيته التحتية أو مناطقه السكنية، ما سيدفع الأزمة نحو انهيار شامل. لهذا، يبدو أن القاهرة تنظر إلى حماية لبنان ليس فقط بوصفها مسألة تضامن عربي، بل كضرورة استراتيجية لمنع ولادة بؤرة توتر جديدة في لحظة لا يحتمل فيها الشرق الأوسط مزيدًا من الفوضى.
من الناحية السياسية، يعكس الخطاب المصري إدراكًا بأن استقرار لبنان عنصر أساسي لاستقرار المنطقة. ومن الناحية الأمنية، تشير التقديرات إلى أن هناك مخاطر حقيقية تُنذر باحتمال قيام إسرائيل بتصعيد كبير تحت ذريعة “تقليم قدرات حزب الله”.
من هنا، تصبح نبرة التحذير المصرية أقرب إلى رسالة استباقية تهدف إلى منع المخاطرة بفتح جبهة جديدة، خصوصًا في ظل تورّط إسرائيل في ملفات أخرى لا تزال مفتوحة.
أما لبنان، فليس ببعيد عن هذه الرسائل. فالتحذير المصري يحمل أيضًا دعوة ضمنية للأطراف الداخلية إلى توحيد الموقف حول حماية البلاد من الانزلاق إلى حرب مدمّرة، وإلى تعزيز مساعي التهدئة وإفساح المجال أمام الجهود الدبلوماسية التي لا تزال تملك فرصة، مهما كانت ضيقة، لمنع حرب جديدة.
في حصيلة رأس الدبلوماسية المصرية، تبدو القاهرة وكأنها تقول بصوت واضح: لبنان على حافة منعطف خطير، وأي خطوة غير محسوبة قد تعيد المنطقة إلى دوامة صراع مفتوح. وبين التحذير والعمل السياسي والوساطة، تتحرك الدبلوماسية المصرية في محاولة لوقف الانفجار قبل وقوعه. وما بين لبنان القلق والعواصم المنشغلة، يبقى السؤال: هل تنجح مصر في تجنيب لبنان حربًا جديدة، أم أن مسار الأحداث يتجه نحو ما هو أسوأ؟

