أصداء واسعة واكبت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني إلى بيروت، وحملت تصريحات المسؤولين اللبنانيين تأكيدت برفض “التدخل الأجنبي” في شؤون لبنان الداخلية، و”عدم السماح لأي جهة بحمل السلاح، والاستقواء بالخارج”، فيما قال المسؤول الإيراني إن بلاده لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية.
وخلال زيارته إلى بيروت التقى لاريجاني بالرئيس اللبناني جوزاف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقالت مصادر مطلعة على تفاصيل لقاء رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام مع علي لاريجاني لـ”الشرق” إن “لبنان الرسمي لم يصل إلى مرحلة الطلب من الإيرانيين بعدم التوجه إلى لبنان أو منعهم من زيارته، لكن لبنان تغير ولا يمكن لإيران أن تتعاطى معه كما كان في السابق”.
وبحسب المصادر فإن “ما سمعه لاريجاني، الأربعاء، من المسؤولين اللبنانيين يتماشى مع التطورات، والتغيرات التي حدثت، ويجب على إيران أن تدركها”.
بدوره، قال رئيس الحكومة اللبنانية إن التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الإيرانيين، ولا سيما وزير الخارجية عباس عراقجي، وعلي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، مرفوضة شكلاً ومضموناً.
وأضاف سلام، وفق بيان صادر عن الحكومة اللبنانية، أن “هذه المواقف، بما انطوت عليه من انتقاد مباشر لقرارات لبنانية اتخذتها السلطات الدستورية في البلاد، ولا سيما تلك التي حملت تهديداً صريحاً، تشكّل خروجاً صارخاً عن الأصول الدبلوماسية وانتهاكاً لمبدأ احترام السيادة المتبادل الذي يشكّل ركيزة لأي علاقة ثنائية سليمة وقاعدة أساسية في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وهي قاعدة غير قابلة للتجاوز”.
وتابع: “لا أنا ولا أي من المسؤولين اللبنانيين نسمح لأنفسنا بالتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية، كأن نؤيد فريقاً على حساب آخر، أو أن نعارض قرارات سيادية إيرانية.. بناء عليه فإن لبنان لن يقبل، بأي شكل من الأشكال، التدخل في شؤونه الداخلية، وأنه يتطلع إلى التزام الجانب الإيراني الواضح والصريح بهذه القواعد”.
وأكمل: “قرارات الحكومة اللبنانية لا يُسمح أن تكون موضع نقاش في أي دولة أخرى، فمركز القرار اللبناني هو مجلس الوزراء، وقرار لبنان يصنعه اللبنانيون وحدهم، الذين لا يقبلون وصاية أو إملاء من أحد”.
وذكّر الرئيس سلام بأن “مسألة حصر السلاح بيد السلطات الشرعية وحدها، هو قرار اتخذه اللبنانيون منذ إقرار اتفاق الطائف عام 1989، وجددوا تمسكهم به في البيان الوزاري للحكومة الحالية، كما أكده رئيس الجمهورية في خطاب قسمه أمام المجلس النيابي”.
وأضاف: “لبنان، الذي كان أول المدافعين عن القضية الفلسطينية، ودفع أغلى الأثمان بوجه إسرائيل، وليس بحاجة إلى دروس من أحد، والحكومة اللبنانية ماضية في استخدام كل الوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية المتاحة، لإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف اعتداءاتها”.
كما شدّد على أن “أي علاقة مع لبنان تمر حصراً عبر مؤسساته الدستورية، لا عبر أي فريق سياسي أو قناة موازية، وأي مساعدات خارجية مرحّب بها، شرط أن تمر عبر القنوات الرسمية”.
وفي ختام اللقاء، جدّد الرئيس سلام التأكيد أن لبنان حريص على علاقاته التاريخية مع إيران، وكل الدول الصديقة على أساس الاحترام المتبادل، مذكّراً بأن وحدة اللبنانيين وسيادة دولتهم وقرارات حكومتهم هي خطوط حمراء لا يمكن المساس بها.
وفي بيان آخر لا يقل وضوحاً صدر عن رئاسة الجمهورية أكد جوزاف عون بعد لقاء لاريجاني أن “لبنان راغب في التعاون مع إيران ضمن حدود السيادة والصداقة القائمين على الاحترام المتبادل، لافتاً إلى أن اللغة التي سمعها لبنان في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين، غير مساعدة”.
المصالح اللبنانية
وقال عون في التصريحات التي أوردتها الرئاسة اللبنانية إن “الجميع دفع ثمناً غالياً للاستقواء بالخارج على اللبناني الآخر في الداخل”، مشيراً إلى أن “العبرة التي يستخلصها اللبنانيون هي أنه من غير المسموح لأي جهة كانت، ومن دون أي استثناء، حمل السلاح والاستقواء بالخارج”.
وبدوره، أكد لاريجاني في تصريحات صحافية، أن طهران “لا تتدخل في صنع القرار اللبناني”، مضيفاً: “من يتدخلون في شؤون لبنان هم من يملون الخطط والمواعيد النهائية”.
ووفق بيان الرئاسة اللبنانية، أكد عون أن “أي تحديات تأتي من العدو الإسرائيلي أو من غيره، هي تحديات لجميع اللبنانيين وليس لفريق منهم فقط”، معتبراً أن “أهم سلاح لمواجهتها هو وحدة اللبنانيين”.
وأضاف أن “اللغة التي سمعها لبنان في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين، غير مساعدة”، معتبراً أن “الصداقة التي نريد أن تجمع بين لبنان وإيران لا يجب أن تكون من خلال طائفة واحدة أو مكوّن لبناني واحد بل مع جميع اللبنانيين”.
وتابع الرئيس اللبناني قائلاً: “نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة، ونريد أن تبقى الساحة اللبنانية آمنة ومستقرة، لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين من دون تمييز”.
وكان لاريجاني استهل اللقاء بنقل تحيات الرئيس الإيراني إلى الرئيس عون، مجدداً دعوته إلى زيارة طهران، والرغبة في مساعدة لبنان في مجال إعادة الإعمار.
وشرح موقف بلاده من الاعتداءات الإسرائيلية التي تعرضت لها قبل أشهر، مشيراً إلى أن بلاده ترغب في تعزيز علاقاتها مع الدولة اللبنانية والشعب اللبناني على كافة الأصعدة، منوّهاً بالدور الذي يلعبه الرئيس عون في تقوية الوحدة الوطنية، وتوحيد الصفوف داخل الطوائف اللبنانية كافة، ومع جميع مكونات الشعب اللبناني.
وجدد لاريجاني موقف بلاده الداعم للحكومة اللبنانية والقرارات التي تصدر عن المؤسسات الدستورية اللبنانية، لافتاً إلى أن بلاده لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، وأن ما أدلى به لدى وصوله إلى بيروت يعكس وجهة النظر الرسمية الإيرانية، واقترح استحداث صندوق لإعادة إعمار المناطق التي تضررت نتيجة العدوان الإسرائيلي، مبدياً استعداد بلاده للمشاركة فيه.
وأكد أن إيران لا ترغب بحدوث أي خلل في الصداقة أو في العلاقات مع الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، وهي راغبة في مساعدة لبنان إذا ما رغبت الحكومة اللبنانية بذلك، وتمنى لها النجاح في مسؤولياتها.