حسين زلغوط, خاص – “رأي سياسي”:

تتّجه الأنظار إلى مجلس الأمن الدولي مع اقتراب موعد التجديد السنوي لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، وسط ضغوطٍ أميركية وإسرائيلية مكثّفة لعدم تمرير التمديد بشكلٍ تلقائي، وطرح تعديلاتٍ جوهرية على طبيعة ومهام هذه القوات، ما يثير مخاوف حقيقية في بيروت من احتمالية انسحابها أو تقليص فعاليتها في لحظةٍ إقليمية شديدة الحساسية.
ويبدو أنّ واشنطن وتل أبيب بدأتا بممارسة ضغوطٍ كبيرةٍ خلف الكواليس لإعادة النظر في التفويض الممنوح لليونيفيل منذ عام 2006 بموجب القرار 1701، معتبرتين أنّ وجودها في صيغته الحالية يفتقر إلى “الجدوى العملانية”.
وتسعى إسرائيل إلى إلغاء التجديد التلقائي للبعثة، أو على الأقل تقليص مدّتها من سنة إلى ستة أشهر، مع إدخال بنودٍ تُمكّن القوات الدولية من العمل بحريةٍ مطلقة دون التنسيق مع الجيش اللبناني، تحت عنوان “تعزيز القدرة على ضبط الانتهاكات”.
أمّا الولايات المتحدة، فبينما لم تطالب بإنهاء البعثة كليًّا، إلا أنّها تدعم مقترحًا بتقليص عدد الجنود، وتوسيع مهام المراقبة الجوية، وتحميل الحكومة اللبنانية مزيدًا من المسؤوليات الأمنية في الجنوب، وهو ما تعتبره الحكومة اللبنانية طرحًا يُضعف التوازن القائم على خط التماس مع إسرائيل، ويُهدّد بفتح الباب أمام فراغٍ أمنيٍّ خطير.
في المقابل، أبلغت الحكومة اللبنانية مجلس الأمن رسميًا – عبر رسالة وجّهتها في 27 حزيران الفائت – رغبتها في التمديد الكامل لليونيفيل دون تعديل، مؤكّدة التزامها الكامل بالقرار 1701، وبالتعاون مع القوة الدولية في سبيل الحفاظ على الاستقرار جنوبًا، وسط الانتهاكات الإسرائيلية اليومية، والتي تشمل تحليق طيرانٍ حربي، واعتداءاتٍ برية متكرّرة.
ويخشى لبنان من أن يؤدي الانسحاب أو التعديل الجذري في مهمة “اليونيفيل” إلى تصعيدٍ ميداني لا يمكن احتواؤه، خاصةً في ظلّ التهديدات والاستهدافات الإسرائيلية التي تُسجَّل يوميًا على مساحة الجنوب، جنوب وشمال نهر الليطاني.
ووفق المعلومات، فقد دخلت فرنسا، وهي الدولة المساهمة الأكبر في عديد “اليونيفيل”، على خط الوساطة، في محاولةٍ لتهدئة الموقف داخل مجلس الأمن، وتفادي صدام بين العواصم الكبرى، خصوصًا مع تلميحاتٍ أميركية باستخدام الفيتو إذا لم تُؤخذ مقترحاتها بعين الاعتبار.
في مقابل ذلك، فإن أبناء الجنوب، الذين يحتضنون القوة الدولية منذ سنوات، باتوا يشعرون أنّها تتحوّل تدريجيًا إلى أداةٍ استخباراتية، لا سيّما مع تصاعد الحوادث الميدانية التي تُنفَّذ فيها دوريات دون مرافقة الجيش اللبناني، بما يُشكّل خرقًا واضحًا للآلية المتفق عليها.
وفي ظلّ هذه التجاذبات، يبدو مستقبل “اليونيفيل” في مهبّ الريح، وسط سيناريوهاتٍ مفتوحة: من التجديد المشروط، إلى التعديل الجذري، أو حتى احتمال تعليق المهمة، وهو ما تعتبره أوساطٌ أمنية لبنانية خطًا أحمر، لأنّه سيترك فراغًا خطيرًا على الحدود الجنوبية، ويقوّض أحد أبرز عناصر الاستقرار منذ نهاية حرب تموز 2006.
ما سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة في أروقة الأمم المتحدة، لن يحدّد فقط مصير القوة الدولية، بل قد يفتح الباب أمام مشهدٍ إقليميٍّ أكثر اشتعالًا، حيث بات الجنوب اللبناني مرآةً دقيقةً لتوازنات الشرق الأوسط المتقلّبة.