تصاعدت الدعوات السياسية في السودان لإنهاء الحرب عبر حل سلمي، عقب تسرب معلومات عن اجتماع غير معلن عُقد في سويسرا بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ومستشار الخاص الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس؛ لبحث مقترح أميركي لوقف إطلاق نار شامل وإيصال المساعدات الإنسانية، في غضون ذلك نجا قائد «قوات درع السودان» الموالي للجيش من استهداف بطائرات مسيَّرة، أدى إلى قتل ثلاثة أشخاص وإصابة عشرة في بلدة تمبول بولاية الجزيرة.
ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية»، عن مصدر حكومي رفيع أن لقاء البرهان وبولس، الذي استمر ثلاث ساعات، الاثنين، جرى وسط سرية تامة، دون إعلان رسمي عن فحوى النقاشات. وأوضح المصدر الذي لم تكشف الوكالة عن اسمه، أن البرهان تسلّم المقترح الأميركي قبل مغادرته إلى سويسرا. وأشار إلى أن البرهان أبلغ بولس بأن «(الدعم السريع) ليس لها دور سياسي في السودان». وأوضح أن البرهان، الحاكم الفعلي للسودان، تسلّم المقترح قبل سفره إلى سويسرا، وأنه عاد إلى بورتسودان فجر الثلاثاء.
والاجتماع هو الأعلى مستوًى على هذا الصعيد منذ أشهر، ويندرج في إطار تعزيز واشنطن جهودها للسلام في السودان.
ردود متباينة
ونتج من تلك الخطوة ردود متباينة في أوساط القوى السياسية والعسكرية، بين مؤيد ومعارض. ودعا الدكتور بكري الجاك، المتحدث الرسمي باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، من أسماهم الحريصين على حماية الناس والدولة لدعم «هذا الاتجاه»، وتابع: «نثمن أي جهد يقوم به حادب على حقن دماء السودانيين، بالعمل للوصول إلى سلام».
ووصف الجاك رافضي الحل السلمي التفاوضي، بأنهم «يتكسبون من استمرار الحرب»، وتابع: «ليس من الصعوبة تحديدهم بالاسم، سواء كانت قوى سياسية توظف الحرب للثراء أو للعودة للسلطة، أو قوى إقليمية ترى ألاّ تقف الحرب إلاّ وفقاً لتصوراتها لحماية مصالحها، حتى لو على حساب مصالح الشعب السوداني».
بدوره، قال عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في تحالف القوى المدنية الديمقراطية لقوى الثورة (صمود)، في منشور على صفحته بـ«فيسبوك»، إن «البحث عن السلام ليس مذمّة، والجلوس إلى طاولة التفاوض ليس خيانة كما يصور دعاة استمرار الحرب»، مؤكداً أن الحل السياسي هو «المطلب العاجل لخلاص السودانيين من الكارثة الإنسانية» وضمان وحدة البلاد.
ورحَّب محمد عبد الحكم القيادي في تحالف «صمود» وحزب التجمع الاتحادي، بأي خطوة لإنهاء النزاع سياسياً «بإرادة سودانية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المأساة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها «أكبر كارثة إنسانية على الكوكب» تحتم على المجتمع الدولي التحرك العاجل. ودعا إلى بناء جيش قومي مهني موحد وحماية الدستور عبر عملية سياسية شاملة.
كما أثارت الخطوة جدلاً بين مؤيدي الجيش؛ إذ رأى بعضهم أنها تراجع عن خيار الحسم العسكري، بينما وصف الوزير الإسلامي السابق عبد الماجد عبد الحميد الاجتماع على صفحته بمنصة «فيسبوك» بأنه «اختراق مهم» في الحوار المباشر مع واشنطن.
وقلل الإعلامي الإخواني الطاهر حسن التوم في تغريدة ساخرة من الاجتماع بقوله: «لقاءات سويسرا والمنامة أبناءُ ليلٍ واحد، ونهايتهما واحدة»، وهي إشارة لما عُرف باتفاق المنامة الذي وقَّعه عضو مجلس السيادة شمس الدين الكباشي وقائد ثاني «قوات الدعم السريع» عبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرينية، وتراجع عنه الجيش بعد توقيعه بالأحرف الأولى.
هجوم بالمسيَّرات
ميدانياً، قُتل ثلاثة أشخاص وأصيب عشرة آخرون، الأربعاء، في هجوم بمسيَّرات مجهولة استهدف احتفالاً بالعيد الـ71 للجيش السوداني في مدينة تمبول بولاية الجزيرة. وكان يشارك فيه قائد «قوات درع السودان» الموالية للجيش، اللواء أبو عاقلة كيكل المنشق من «قوات الدعم السريع».
وقال مسؤول في «درع السودان» لـ«الشرق الأوسط»، إن الهجوم الذي نُسب إلى «قوات الدعم السريع»، حدث بواسط مسيَّرتين، مشيراً إلى أن المضادات الأرضية تصدت للمسيرتين اللتين كانتا تستهدفان القضاء على قائد «قوات درع السودان» أبو عاقلة كيكل، الذي نجا من الهجوم. وأشار إلى أن الاشتباك استمر أكثر من ساعة، وأن القوات المسلحة تحفظت على بقايا الصواريخ لفحصها.
وتُعدّ بلدة تمبول أحد أكبر المراكز الحضرية في منطقة شرق الجزيرة والبطانة، وقد تعرضت في الأشهر الماضية، وعقب استعادتها من «قوات الدعم السريع»، لهجمات وصفت بـ«الانتقامية»، إثر انشقاق كيكل عنها في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 وانضمامه للجيش، حيث شارك في استعادة ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم، ويقاتل حالياً في جبهات كردفان.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل (نيسان) 2023 حرباً دامية بين الجيش بقيادة البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتسببت بأكبر أزمة نزوح في العالم مؤخراً، بينما فشلت وساطات إقليمية ودولية عدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.