كان محمد بن شلهوب شغوفاً بالتجارة عليماً بأسرار الاقتصاد، لذا اختاره الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وزيراً للمالية والتموين، فكان يشرف على خزينة الدولة وأموال القصر ولا تُصرف صغيرة ولا كبيرة إلا بمعرفته، ونظراً لأمانته ونزاهته؛ كان الملك المؤسس يثق فيه ثقة كبيرة ويحظى بمكانة كبيرة في القصر الملكي، وكان يناديه “ابن شلهوب يا عصابة راسي”.
مولده ونشأته
وُلد محمد بن صالح بن شلهوب في الرياض عام 1288هـ/ 1871م، في أسرة تعمل في المجال العسكري والسياسي منذ الدولة السعودية الثانية، كان والده من قادة سرايا الإمام فيصل بن تركي وأمرائه في عنيزة بالقصيم، نشأ يتيماً بعد مقتل والده في معركة المجمعة 1883م أثناء مشاركته مع الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي، تعلّم القراءة والكتابة وحفظ بعض أجزاء القرآن ثم طلب العلم على يد مشايخ عصره.
في سنّ السابعة عشرة غادر الرياض إلى حائل باحثًا عن الرزق وهناك عمل في التجارة، ثم التحق بإمارة حائل وتدرج في مناصبها حتى وصل لرئاسة جباية الأموال في الخرج وما حولها، ثم اتجه للتجارة بين نجد والكويت والبحرين، وقادته تجارته إلى التعرف على أسرار الاقتصاد حينذاك، وحين علم بدخول الملك عبدالعزيز الرياض عام 1902 غيّر وجهته وانضم للمؤسس، الذي أُعجب بكفاءته وصدقه فعيّنه خازنًا للمال وأطلق عليه لاحقًا لقب “رئيس أموال نجد”.
دوره في توحيد المملكة
لم يكن ابن شلهوب مقاتلًا في الميدان، وإنما كان الساعد الاقتصادي والتمويني والإداري للمؤسس؛ حيث أدار الشؤون المالية والتغذية والأسلحة منذ بدايات التأسيس إلى ما بعد إعلان المملكة، وكان “وزير مالية ووزير تموين” كما وصفه المؤرخ أمين الريحاني، أشرف على كل كبيرة وصغيرة، من تأمين الحطب، إلى تجهيز الحملات والسرايا العسكرية بالمال والسلاح، وإعداد شؤون الإمدادات اللوجستية.
برز دوره في دقة الإدارة والشفافية، فلا محاباة ولا تحيّز بين الناس، وكان يردد “الذي يجي نقيده، والذي يروح نقيده”، فارتبط اسمه بالأمانة المطلقة والنزاهة، وعند ضمّ القصيم والأحساء كان مكلفًا بمهام تجارية وتجسسية تمهيدًا للسيطرة العسكرية، وصار مسؤولاً عن إيواء الرحالة والزوار المؤثرين، وتجهيز المؤن لبعثات الملك في الخارج.
قال عنه المؤرخ والدبلوماسي خير الدين الزركلي صاحب “الأعلام”: “جميع المصروفات في قصور الملك تموّل من شلهوب، فهو ينتظر من الملك أي توجيه بالدفع، بقوله له: (ادفع يا شلهوب)، فهو وزير المال والتموين، ومهماته تشمل الكبيرة والصغيرة، من المدفع إلى عود الكبريت، يوزع الحطب، ويوزع الثياب، ويوزع السلاح، ويوزع المال بالطريقة التي تعود عليها”.
وقال عنه الأديب والمؤرخ اللبناني أمين الريحاني، الذي زار الملك عبدالعزيز في الرياض عام 1341هـ/ 1922م، وقد لفت نظره شخصية شلهوب، ومكانته في ديوان الملك: “الشيخ محمد صالح شلهوب، مسؤول عن صرف القوائم الطويلة من الهبات والنقود التي يأمر بها السلطان عبدالعزيز”. وشاهده الريحاني وهو يوزع في يوم واحد 3000 عباءة مذهبة تم شراؤها من سوريا في ذلك الوقت.
العلاقة مع الملك عبدالعزيز
وثق الملك عبدالعزيز في ابن شلهوب ثقة مطلقة، وأوكل إليه كل مكان حساس يستدعي أمانة إدارية ومالية، كان يناديه “ابن شلهوب يا عصابة راسي” تعبيرا عن التقدير، وكان ابن شلهوب لا يغادر القصر إلا بعد نهاية جميع الإجراءات، وترك في مجلسه أثراً كبيراً في التنظيم والانضباط والتكافل الاجتماعي مع الحرس والمحتاجين والضيوف.
الوفاة
توفي محمد بن صالح الشلهوب في 20 أغسطس 1969م (1389هـ) بمدينة بيروت، ونُقل جثمانه للصلاة عليه في الرياض ودُفن في مقبرة العود بحضور الملك فيصل بن عبدالعزيز، بعد أن تجاوز المائة من عمره.