قادت الولايات المتحدة، مساء الجمعة، مجلس الأمن نحو تحوّل جذري بموافقته على قرار يدعم اقتراح المغرب بإعطاء الصحراء حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، في موقف يتماشى مع توجهات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإيجاد تسوية نهائية للنزاع المتواصل منذ نحو نصف قرن. وصوت مجلس الأمن بغالبية 11 صوتاً على القرار التاريخي، الذي أعطي الرقم 2797، مع امتناع روسيا والصين وباكستان عن التصويت، فيما لم تشارك الجزائر في هذا التصويت، علماً بأنها الداعم الرئيسي لما يسمى جبهة «البوليساريو» الانفصالية، التي تطالب بإجراء استفتاء على حق تقرير المصير.
ويشير القرار إلى خطة المغرب للحكم الذاتي كأساس للتفاوض، ويمنح أقوى تأييد حتى الآن لخطة المملكة المغربية للحفاظ على سيادتها على الصحراء، والتي تحظى أيضاً بدعم من جل أعضاء الاتحاد الأوروبي، وعدد متزايد من الحلفاء الأفارقة.
ورحب المندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، بنتيجة التصويت «التاريخي»، داعياً إلى «اغتنام هذه اللحظة الفريدة، والبناء على الزخم من أجل سلام طال انتظاره».
وكما هو الحال مع القرارات المماثلة في السنوات السابقة، لا يشير القرار إلى أي استفتاء على تقرير المصير في الصحراء الغنية بالفوسفات، والتي تعادل مساحتها ولاية كولورادو في الولايات المتحدة. ويعتبر القرار أن «الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يُشكل الحل الأكثر جدوى» لحل هذا النزاع الطويل الأمد. كما يجدد هذا القرار مهمة «مينورسو» الأممية لحفظ السلام في الصحراء لمدة عام آخر، كما حدث لأكثر من ثلاثة عقود.
ودعا القرار كل الأطراف المعنية إلى «اغتنام هذه الفرصة غير المسبوقة من أجل سلام دائم». وبناءً على التقدم المحرز، طلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مراجعة تفويض بعثة حفظ السلام في غضون ستة أشهر.
ويأتي الضغط لإعادة تقييم بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء، في وقت تُخفّض فيه الولايات المتحدة تمويل برامج ووكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك حفظ السلام.
ويتبع المسؤولون الأميركيون نهجاً انتقائياً في التمويل، حيث يختارون العمليات والوكالات، التي يعتقدون أنها تتوافق مع أجندة ترمب، والتي لم تعد تخدم المصالح الأميركية.
وكما كان مبعوثو الرئيس ترمب يؤكدون دعمهم للمغرب، جاء التصويت بعد أسابيع من إعلان المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عبر شبكة «سي بي إس» أن هناك إمكانية للتوصل إلى سلام بين المغرب والجزائر في غضون 60 يوماً. فيما أكد كبير مستشاري الرئيس ترمب للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، دعم الولايات المتحدة لخطة المغرب.

وإثر هذا التصويت الذي يتوقع أن ينهي عقوداً طويلة من التوتر في المنطقة، رحب العاهل المغربي الملك محمد السادس بقرار مجلس الأمن الدولي المؤيد لخطة الحكم الذاتي، وقال إن المغرب يعيش مرحلة فاصلة ومنعطفاً حاسماً في تاريخه الحديث، مؤكداً أنه «حان وقت المغرب الموحد»، ومعتبراً دعم الأمم المتحدة للخطة المغربية للصحراء «تحوّلاً تاريخياً».
وأضاف الملك محمد السادس، في خطاب ألقاه بعد أن أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يؤيد خطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء المغربية تحت السيادة المغربية: «ندخل اليوم مرحلة الحسم على المستوى الأممي، حيث حدد قرار مجلس الأمن مرتكزات إيجاد حل سياسي نهائي للنزاع في إطار حقوق المغرب المشروعة».
وتابع العاهل المغربي موضحاً: «سنقدم مبادرة الحكم الذاتي للأمم المتحدة لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق»، لكنه شدد أيضاً على أن المغرب حريص على إيجاد حل يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.

في سياق ذلك، وجه العاهل المغربي الشكر للرئيس الأميركي دونالد ترمب ولجهوده التي «أتاحت الوصول لحل نهائي لهذا النزاع»، كما قدم الشكر أيضاً لفرنسا ودولٍ عربية وأفريقية على دعمها للسيادة المغربية على صحرائه، ودعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون «لحوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة تقوم على الاستقرار»، مؤكداً التزام بلاده بالعمل لإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله.
وفي هذا السياق، قال العاهل المغربي: «اليوم ندخل، والحمد لله، مرحلة الحسم على المستوى الأممي، حيث حدد قرار مجلس الأمن المبادئ والمرتكزات الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي لهذا النزاع، في إطار حقوق المغرب المشروعة.
وفي سياق هذا القرار الأممي، سيقوم المغرب بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وسيقدمها للأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق»، مشيراً إلى أنه «رغم التطورات الإيجابية، التي تعرفها قضية وحدتنا الترابية، يبقى المغرب حريصاً على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. والمغرب لا يعتبر هذه التحولات انتصاراً، ولا يستغلها لتأجيج الصراع والخلافات».

