توجيهات صارمة في الجزائر لتجنب انفلات الأوضاع عقب فترة العطلات
في سياق يتسم بتنامي المخاوف من اضطرابات اجتماعية واحتجاجات شعبية مع اقتراب «الدخول الاجتماعي»، جمع وزير الداخلية الجزائري الجديد سعيد سعيود الولاة الـ58 في البلاد، مشدداً على ضرورة التحرك ميدانياً بسرعة لاحتواء الوضع وتفادي أي احتقان محتمل.
ويستخدم مصطلح «الدخول الاجتماعي» في الخطاب الجزائري للدلالة على فترة استئناف النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عقب عطلة الصيف، التي تبدأ عادة في نهاية شهر أغسطس (آب) أو بداية سبتمبر (أيلول).
وبدأ الولاة، الأحد، تنفيذ خريطة طريق رسمها سعيود في أثناء اجتماعه بهم، الخميس الماضي، بطريقة المحادثة بالفيديو، وذلك بمناسبة موعد التحاق تلاميذ المدارس بمؤسساتهم التعليمية.
وفي أول نشاط له بعد تعيينه وزيراً للداخلية خلفاً لإبراهيم مراد، في تعديل حكومي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون في 14 من الشهر الحالي، زار سعيود مدينة البليدة جنوب العاصمة في 17 من الشهر، حيث تفقد الوضع في المنطقة، ومدى استجابة المرفق العمومي لحاجيات المواطنين، وعمل الوحدات الإدارية اللامركزية التي تُسيّر الشؤون المحلية للسكان.
وكان سعيود وزيراً للنقل في الحكومة السابقة، واحتفظ بهذا القطاع إلى جانب وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة، وهو ما يعكس بروزه بوصفه أحد أبرز الفاعلين في السلطة التنفيذية.
وأصدر الوزير توجيهات للولاة ورؤساء الدوائر الإدارية، في خطوة تعكس قلق السلطات من احتمال خروج الوضع عن السيطرة وما قد يترتب عليه من انفلات أمني، حيث شدّد على ضرورة التحضير الجيد للدخول المدرسي والجامعي والاجتماعي، وضمان التكفل الفوري بانشغالات المواطنين، حسبما جاء في تسجيل مصور يظهر فيه سعيود متحدثاً للولاة، نشرته وزارة الداخلية بموقعها الإلكتروني الأحد.
التعليم والمياه ومستوى المعيشة
وأظهر الوزير حرصاً على «توفير نقل مدرسي موثوق، وإطعام جيد في كل بلدية، مع إيلاء اهتمام خاص بالمناطق النائية، وضمان احترام معايير السلامة والنظافة في المؤسسات التعليمية»، مؤكداً أن «سلامة التلاميذ تبدأ من لحظة صعودهم إلى الحافلة».
كما أعلن عن تشكيل «لجان محلية» مهمتها «رصد أي خلل ومعالجته فوراً، لأن المواطن لا ينتظر وعوداً بل يريد حلولاً فعلية».
وطالب الوزير بالاستعداد المسبق لمواجهة التقلبات المناخية المرتقبة مع اقتراب فصلي الخريف والشتاء، حيث يُعرّي تهاطل الأمطار الغزيرة في العادة مواطن الخلل في البنية التحتية. وفي هذا السياق، دعا إلى تعزيز أنظمة الوقاية من الفيضانات والانزلاقات الأرضية، واعتماد برامج محلية فعالة لحماية السكان والمنشآت، مؤكداً أن «الوقاية أقل تكلفة من الإصلاح».
وتناول الاجتماع أيضاً ندرة المياه الصالحة للشرب في مناطق كثيرة، التي كثيراً ما دفعت السكان إلى الاحتجاج في الشارع في فصل الحرارة، إذ طالب سعيود بـ«الانطلاق الفوري في إعادة تأهيل شبكات توزيع المياه، وضمان صيانتها بشكل منتظم، مع الحرص على التوزيع العادل بين مختلف المناطق، والتأكيد على ضرورة إبلاغ المواطنين مسبقاً بأي تغييرات قد تطرأ على برامج التوزيع، تفادياً لانتشار الشائعات وحفاظاً على منسوب الثقة».
كما شدّد على تحسين الإطار المعيشي في المدن والقرى «من خلال إطلاق برامج حكومية دائمة تهدف إلى تهيئة الفضاءات العمومية وتحسين البيئة الحضرية بشكل مستدام»؛ مؤكداً على «أهمية الاستماع لانشغالات السكان وتكريس الشفافية في التواصل ليكون نهجاً دائماً داخل الإدارة».
وفي ظل تنامي المخاوف من تصاعد الاعتداءات والسرقات وجرائم السطو على المنازل في عدد من الأحياء، شدّد سعيود على ضرورة تكثيف الجهود لمحاربة الجريمة بمختلف أشكالها، مع التركيز على حماية المواطنين وممتلكاتهم، وزيادة الانتشار الأمني.
الشائعات وإثارة الفوضى
وصدرت أيضاً تحذيرات من الشائعات و«التضليل» و«المعلومات المغلوطة».
وترى السلطات دوماً أن وراء نشر الشائعات المضللة عبر وسائط التواصل الاجتماعي «مؤامرة من تدبير جهات مشبوهة بهدف تقويض السلم المدني وإثارة الفوضى والاضطرابات في البلاد». ويأتي هذا التحذير في الغالب من رئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، ورئيس البلاد تبون.
وكان وزير الاتصال محمد مزيان، المُقال في التعديل الحكومي الأخير، قد قال في فبراير (شباط) الماضي إن «تسعة آلاف صحافي حول العالم يشتغلون على تشويه صورة الجزائر»، وجاء كلامه في سياق تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا وتفاعل وسائل الإعلام مع الأزمة.
تشدد مع النقابات «المتذمرة»
وتنتهج الحكومة سياسة غليظة مع النقابات في القطاعات التي تعرف تذمراً، خصوصاً التعليم وسكة الحديد والبريد، حيث يتكرر التذمر من تدني الأجور.
وفي خضم التوترات الاجتماعية الزائدة، شهدت الجزائر خلال عام 2025 توقيف عدد من النقابيين البارزين، ما أثار موجة من القلق والجدل داخل الأوساط العمالية والحقوقية.
ففي 24 فبراير 2025، تم توقيف مسعود بوديبة، رئيس «المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني»، رفقة أبو بكر هابط، الأمين الوطني المكلف بالإدارة داخل النقابة نفسها، وذلك خلال مشاركتهما في احتجاج نقابي بولاية المسيلة جنوب شرقي البلاد. وقد تم وضعهما لاحقاً تحت الرقابة القضائية، بتهم تتعلق بـ«المشاركة في تجمع غير مرخص».
أما في قطاع النقل، ففي 5 يوليو (تموز) الماضي، أودع الأمين العام لنقابة السكك الحديدية، لونيس سعيدي، الحبس الاحتياطي بعد توقيعه على إشعار بالإضراب موجه لوزير النقل، حيث كان مقرراً أن يبدأ الإضراب يوم 7 يوليو. وقد عدّ هذا التوقيف خطوة تصعيدية ضد العمل النقابي، مما أدى إلى موجة تضامن واسعة من قبل النقابات والمنظمات الحقوقية.