رحلة في ربوع مصر تبدأ بلوحة انتظار الصيادين لرزقهم على شواطئ الإسكندرية، وتتوغل في عمق الريف المصري بعاداته اليومية المليئة بتفاصيل البهجة، وصولاً إلى أقصى الجنوب لمشهد استراحة الصيادين على ضفاف النيل بأسوان.
تلك المسيرة التي خاضها الفنان التشكيلي وطبيب العيون فريد فاضل، توثّق لحظات عفوية في حياة المصريين والمهن التقليدية التي احترفوها. يجسّدها الفنان في 25 لوحة زيتية، يستضيفها جاليري بيكاسو في الزمالك، في معرض “لمّة حلوة”.
وقال الفنان لـ”الشرق”: بدأت قصة المعرض عام 2020 بالتزامن مع انتشار الجائحة، التي أجبرت الجميع على التباعد الاجتماعي. لذلك أردت تسليط الضوء على العلاقات الإنسانية البسيطة التي افتقدها العالم.
وعن لوحة الصيادين الذين ينتظرون رزقهم، حيث تتجمّع الأسماك الذهبية في مركز الشِباك، يقول الفنان: “إن شرارة تلك اللوحة بدأت قبل عقود خلال زياراتي المتكررة إلى الإسكندرية، حيث التقيت الصيادين مراراً، وأذكر أحدهم كان يدعى “حمدان الأصيل “رسمته في عدد من لوحاتي”.
ينتقل فاضل إلى لوحاته على ضفاف النيل، ويتوقف أمام لوحة “الفلوكة” التي التقطها في الأقصر بصعيد مصر لدى وصوله عند شروق الشمس. ومن هناك نقلت فرشاته الإضاءات الساحرة المنعكسة على مراكب “الفلوكة”، فضلاً عن الألوان الزاهية المترامية على جبال البر الغربي في تلك المنطقة، ومنها انتقل إلى قرى أسوان والنوبة.
يتوقف عند لوحة السيدتان اللتان تخبزن “العيش الشمسي”، ثم لوحة الفتاة، وهي تحمل خبز الصباح. وفي الجانب الآخر تبدو، الأسواق الشعبية وتبدو السيدة التي تبيع الخضار في أحد أسواق الجيزة.
ويؤكد فاضل على دور الصداقة واللمّة الحلوة في حياتنا. “ففي النوبة يسمونها “الونسة”، وهي تحريف للكلمة العربية الأنس بضم الهمزة. هنا يحلو التسامر والضحك وسرد القصص والطرائف دون حساب للوقت، فالكل سعيد بالكل”.
ويضيف: “قبل زمن الهواتف المحمولة وشاشات التلفاز، كان الأطفال في القرى ومعظم المدن المصرية، يسلّون أنفسهم بألعاب الحجلة و الاستغماية وعسكر وحرامية وعروستي ومباريات الكرة، ويجرون ويمرحون في الحقول والحارات الهادئة. كانت تلك الحياة تكوّن صداقات عميقة وعلاقات صحية تستمر مدى الحياة أحياناً”.
ويوضح الفنان أن لوحة “السيدة والطيور” رسمها من خياله دون الاعتماد على موديل. وربط بين مشاعر الأمل والابتسامة وانطلاق الطيور. واستعاد أمام تلك اللوحة ذكرياته مع فن الرسم، حيث ظهرت موهبته في مرحلة الطفولة، عندما نظّم أول معرض فردي له وهو يبلغ من العمر 13 عاماً.
ارتبط فاضل بأماكن عدّة في مصر. إذ ولد في محافظة أسيوط في صعيد مصر، وتكرّرت زياراته للإسكندرية منذ الطفولة. وبالرغم من تخرّجه من كلية الطب، إلا أن الفن كان شريكاً أساسياً له طيلة تلك العقود. ويعتبر أن دراسته للطب ساعدته على إتقان التشريح البشري.
نظّم فاضل أكثر من 60 معرضاً فردياً في مختلف دول العالم، وتميّز بأسلوب الواقعية السحرية في رسم اللوحات.
“إن حروف الكلمة الدارجة ” اللمة” مستقاة من الكلمة الفصحى “الانتماء”، ويلم الشيء أي يجمع أطرافه المبعثرة في محيط واحد.. هنيئا لنا لمّة فريد فاضل التي أتمنى الدخول في زمرتها، لأنعم بالفن والأصالة والرقي”.
عبارات للكاتبة الكبيرة سناء البيسي، كُتبت عند مدخل المعرض، وعبّرت بشكل فريد عن الفكرة الأصيلة عن أعمال الفنان.

