
حسين زلغوط
خاص_ موقع “رأي سياسي”:

تقدّم ملف ترسيم الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل في الايام القليلة الماضية ليأخذ موقعه في صدارة المشهد السياسي، على خلفية ما أعلنه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لجهة استعداد لبنان التفاوض غير المباشر مع اسرائيل برعاية أميركية.
ومع دخول المشاورات والاتصالات الدبلوماسية حيّزاً عملياً، تعود التساؤلات مجدداً حول مدى واقعية التوصل إلى اتفاق برّي شامل، وما إذا كانت الأرضية الإقليمية والمحلية باتت ناضجة لتحقيق اختراق، في ظل مواقف غير واضحة بعد من الجانبين.
لقد أفرز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قبل نحو عامين دينامية جديدة في مقاربة النزاع الحدودي. فبعد أن كرّس الاتفاق المذكور مبدأ الحلول التفاوضية غير المباشرة برعاية دولية، أفسح المجال لإعادة طرح ملف الحدود البرّية التي لا تزال عالقة منذ عقود، وخصوصًا في نقاط التحفّظ القائمة على طول “الخط الأزرق” الذي وُضع بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، دون أن يشكّل ترسيمًا نهائيًا للحدود المعترف بها دوليًا.
والتوجّه الجديد نحو الترسيم البرّي لا ينفصل عن واقع سياسي وأمني مستجد فرضته الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان، والتي انتهت بوقف إطلاق نار ما تزال اسرائيل تخرقه بشكل شبه يومي، فُهم منه أنه يتجاوز التهدئة الميدانية إلى ترتيب أوراق ما بعد التصعيد.
وفي هذا السياق، يُعاد إحياء القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في العام 2006، والذي نصّ صراحة على احترام الخط الأزرق، وانسحاب القوات الإسرائيلية من كامل الأراضي اللبنانية، ومنع أي وجود مسلح غير شرعي جنوب الليطاني، ما يجعل من ترسيم الحدود البرّية عنصرًا أساسيًا في تثبيت هذا القرار وبلورته عمليًا.
لكن التفاوض لا يجري في فراغ. فحزب الله، يضع خطوطًا حمراء حيال أي مسار تفاوضي يُخشى أن يلامس المسّ بمنطق المقاومة أو يعيد خلط أوراق. من هذا المنطلق، يؤكّد الحزب أنّ ترسيم الحدود لا يمكن أن يكون بوابة لمقايضات سياسية أو أمنية، بل يجب أن يكون جزءًا من تثبيت حقوق لبنان كاملة دون نقصان، بما فيها تحرير المناطق المحتلة مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط المتحفظ عليها، اضافة الى الانسحاب الشامل من النقاط التي ما تزال تحتلها في اكثر من موقع على طول الحدود على الرعم من الاتفاق الذي تم برعاية اميركية وفرنسية.
مع ذلك، فإن التهدئة الأخيرة شكّلت اختبارًا لنوايا الأطراف المختلفة. فالحفاظ على وقف إطلاق النار يعكس استعدادًا مبدئيًا ولو مشروطًا للدخول في تسويات مرحلية أو حتى نهائية، إذا ما توافرت الضمانات الدولية، وضُمنت التوازنات الداخلية والخارجية. في المقابل، فإن أي تصعيد مفاجئ أو خرق واسع قد يُعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ويُظهر أن الحديث عن ترسيم لم يتجاوز كونه مجرد ورقة تفاوضية تستخدم عند الحاجة.
وانطلاقا مما تقدم فانه لا يمكن فصل التفاوض الحدودي عن التحولات الاقليمية التي حصلت على مدى العامين الأخيرين. فترسيم الحدود البرّية، إذا ما تمّ، سيكون أول اتفاق من نوعه يُنجز بين لبنان وإسرائيل، وهو ما يطرح فرضية أن يكون جزءًا من تسوية شاملة تطال ملفات أكبر، من الوجود الدولي في الجنوب، إلى طبيعة دور حزب الله، وصولًا إلى موقع لبنان في المشهد الإقليمي المتداخل. لكن في المقابل، فإن حزب الله سيُصرّ على أن لا يكون الترسيم مدخلًا لتطبيع أو تموضع جديد، بل تثبيت لحقّ لبناني يُنتزع بالسياسة كما بالميدان.