قال المتحدث باسم جهاز الاستخبارات الخارجية الأوكرانية، أوليه ألكساندروف، إن روسيا بدأت تقترب من أوكرانيا في سباق إنتاج الطائرات المسيّرة، مستفيدة من مواردها المالية الكبيرة، وخطوط الإنتاج التي تقع بعيداً عن جبهات القتال، إضافةً إلى الدعم الذي تحصل عليه من الصين.
وأكد ألكساندروف لمجلة “بوليتيكو” الأميركية، أن الشركات الصينية تزود روسيا بمكونات متعددة تشمل الأجهزة الإلكترونية، وأنظمة الملاحة، والأنظمة البصرية والتليمترية (التي تُستخدم لنقل البيانات والمعلومات من الطائرة المسيّرة إلى مركز التحكم عن بُعد، مثل موقع الطائرة، سرعتها، ارتفاعها، وغيرها من المعلومات الحيوية أثناء الطيران). كما تشمل هذه المكونات المحركات، والدوائر المصغرة، ووحدات المعالجة، وأنظمة الهوائيات، ولوحات التحكم.
وأضاف أن هذه الشركات تستخدم لافتات وهمية وتغير أسمائها لتجنب الخضوع لضوابط التصدير والعقوبات الدولية على أنشطتها، موضحاً أن الصين تلتزم بجميع هذه القواعد “رسمياً فقط”.
ونفت بكين مراراً تزويد روسيا بأي طائرات مسيّرة أو مكونات أسلحة، ووصفت الاتهامات الأوكرانية بأنها “ادعاءات لا أساس لها وتلاعب سياسي”، إلا أن ألكسندروف أكد أن روسيا تعتمد بشكل كبير على توريد قطع الغيار الصينية للطائرات المسيّرة التكتيكية وبعيدة المدى، ما يتيح لموسكو تقويض ريادة كييف في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة وإنتاجها، وهو عامل أساسي ساعدها على الاستمرار في القتال خلال فترات كانت تعاني فيها من نقص الذخيرة وبطء تسليم الأسلحة من حلفائها.
إنتاج مضاعف
ونقلت “بوليتيكو” عن بافلو باليسا، نائب رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائد عسكري سابق، قوله إن 80% من الضرر الذي لحق بالمعدات والجنود الروس هذا العام نجم عن هجمات بطائرات مسيّرة، مع تدمير 89 ألف هدف روسي خلال شهر مايو فقط.
وأضافت “بوليتيكو” أن أوكرانيا تمكنت من تصدّر حرب الطائرات المسيّرة في السنوات الأولى من الحرب، إذ أنتجت نحو مليون طائرة مسيّرة تكتيكية عام 2024، وتخطط لرفع إنتاجها إلى 2.5 مليون طائرة تكتيكية و30 ألف طائرة هجومية بعيدة المدى في 2025.
ومع ذلك، فإن روسيا تقترب من اللحاق بالركب، حيث تمكنت من زيادة إنتاجها من الطائرات المسيّرة بعيدة المدى إلى 300 طائرة يومياً، مستهدفة الوصول إلى 500 طائرة يومياً، مقابل إنتاج نحو 100 طائرة أوكرانية يومياً، وفق تصريحات للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف الأسبوع الماضي.
وأشار ألكساندروف إلى أن شركات تصنيع الطائرات الروسية ضاعفت إنتاج الطائرات المسيّرة بعيدة المدى من 15 ألف طائرة إلى أكثر من 30 ألف طائرة هذا العام، بالإضافة إلى إنتاج نحو مليوني طائرة تكتيكية صغيرة.
نسخ التجربة الأوكرانية
ونقلت المجلة عن الجنرال ألكسندر سيرسكي، القائد الأعلى للجيش الأوكراني، قوله في بيان الأسبوع الماضي: “العدو ينسخ تجربة القوات الأوكرانية ويطوّر وحداته بنشاط، لذلك يجب علينا الحفاظ على وتيرة التطوير وتعزيز قدراتنا باستمرار لنكون متقدمين بخطوة”.
وزعم الرئيس الأوكراني أن روسيا تمتلك موارد مالية أكبر بكثير من بلاده، ولديها أيضاً إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الصينية، مثل طائرات DJI Mavic المسيّرة التي طورت في الأصل للسوق المدنية، لكنها تُستخدم بشكل واسع من قبل الجيشين في الحرب.
وأضاف زيلينسكي: “هذه الطائرات رخيصة وفعَّالة للغاية وتُستخدم يومياً كقذائف مدفعية”، مشيراً إلى أن عشرات الشركات الأوكرانية تعمل على تطوير نسخ مُحدَّثة منها.
ومع ذلك، تقول كييف إن وصولها إلى الطائرات المسيّرة الحديثة قد قُيّد من جانب الصين، بينما لا تفرض الأخيرة قيوداً مماثلة على موسكو، إذ يقول زيلينسكي إن “طائرة DJI Mavic الصينية متاحة للبيع أمام الروس، لكنها محظورة على الأوكرانيين”.
وأضاف أن بكين أغلقت سوق هذه الطائرات أمام كييف وأوروبا، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، في حين لا تزال موسكو قادرة على شرائها.
وفي محاولة لمواجهة التقدم الروسي، أكدت “بوليتيكو”، أن أوكرانيا تزيد من إنتاج طائرات الاعتراض المسيّرة المطورة حديثاً، والتي تُستخدم لإسقاط الطائرات الروسية، كما تلجأ كييف إلى استخدام أساليب غير تقليدية، مثل عمليات تهريب منصات إطلاق الطائرات المسيّرة إلى داخل الأراضي الروسية لضرب القواعد الجوية التي تحتوي على قاذفات تكتيكية.
أساليب غير تقليدية
ومع ذلك، أشارت المجلة الأميركية إلى أن روسيا تواكب هذا التطور أيضاً، إذ تتجه نحو استخدام الطائرات المسيّرة التي يتم تشغيلها عبر كابلات الألياف الضوئية بدلًا من الإشارات اللاسلكية، ما يجعلها مُحصّنة ضد التدابير الإلكترونية المضادة، وهو ما ساعدها على تدمير طرق الإمداد الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية، ودفع معظم قوات كييف خارج الأراضي التي استولت عليها في الهجوم المفاجئ العام الماضي.
وأوضحت المجلة أن القوات الأوكرانية كانت قادرة في السابق على رصد الطائرات المسيّرة الروسية التقليدية بمجرد إقلاعها، لكنها باتت تواجه صعوبة كبيرة في كشف الطائرات الحديثة، ما يضطرها إلى استخدام وسائل صوتية وتقنيات أخرى لتعقبها.
وتابعت: “تعمل روسيا على تحسين قدرتها في التشويش على الطائرات الأوكرانية المسيّرة، إلى جانب إنتاج طائراتها بعيدة المدى في نسختها الخاصة من وادي السيليكون، وهي مناطق اقتصادية خاصة مثل ألابوجا في تتارستان، حيث تتركز خطوط إنتاج طائرات شاهد الإيرانية، المعروفة في روسيا باسم Geran، كما تنتج طائرات Garpiya المسيّرة في مصنع Kupol بمدينة إيجيفسك، التي تقع على بُعد 1800 كيلومتر شمال شرق أوكرانيا، إلى جانب خطوط إنتاج رئيسية أخرى في موسكو، وإكاترينبيرج، وسانت بطرسبرج، وأماكن أخرى”.
وقال ألكساندروف إن روسيا تهدف لإنتاج نحو 30 ألف طائرة بعيدة المدى من هذه الأنواع، بالإضافة إلى 30 ألف طائرة مسيّرة ذات أهداف وهمية لإرهاق الدفاعات الجوية الأوكرانية في 2025″.
وأضاف: “أما بالنسبة للطائرات المسيّرة بنظام الرؤية من منظور الشخص الأول (هي طائرات بدون طيار تُزوَّد بكاميرات تنقل صورة مباشرة للطيار الذي يتحكم بها عن بُعد)، فتخطط روسيا لإنتاج نحو مليوني طائرة منها في العام نفسه”.
واختتمت “بوليتيكو” تقريرها بالإشارة إلى أن هذا التطور يزيد الضغط على أوكرانيا لمواجهة الزيادة الكبيرة في كمية ونوعية الطائرات الروسية المسيّرة.