أظهرت نتائج رسمية، السبت، فوز الرئيسة التنزانية الحالية سامية حسن في الانتخابات الرئاسية بنسبة تقارب 98 في المائة من الأصوات، بعد احتجاجات وأعمال عنف وتشكيك من المعارضة على مدار أسبوع.
ذلك الماراثون الانتخابي الجديد، يراه خبير في الشؤون الأفريقية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يضع تنزانيا أمام مفترق طرق؛ إما الاستمرار في نموذج الاستقرار القسري المصحوب بالعنف والاحتقان، أو الانخراط في إصلاحات حقيقية قد تمهد الطريق لممارسة سياسية أكثر سلمية وشرعية».
وقالت لجنة الانتخابات في تنزانيا، الدولة الواقعة بشرق أفريقيا، إن سامية حسن، التي تولت السلطة في عام 2021 بعد وفاة سلفها، حصلت على أكثر من 31.9 مليون صوت، أو 97.66 في المائة بالانتخابات التي جرت يوم 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما يمنحها فترة ولاية مدتها 5 سنوات.
وأثار هذا الرقم «دهشة منتقدي الحكومة»، الذين أشاروا إلى أن سلف حسن، جون ماجوفولي، فاز عند إعادة انتخابه في عام 2020، بنحو 12.5 مليون صوت فقط من خلال إقبال أقل من 15 مليون شخص، بينما قال شهود إن نسبة الإقبال بدت منخفضة في يوم الانتخابات مع تعطل بعض مراكز التصويت بسبب الاحتجاجات، بحسب «رويترز».
واندلعت الاحتجاجات خلال التصويت الذي جرى الأربعاء الماضي لانتخاب رئيس وبرلمان للبلاد، إذ قال شهود إن «بعض المحتجين مزقوا لافتات حسن وأضرموا النار في مبانٍ حكومية»، في حين أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والأعيرة النارية.
وقررت الشرطة فرض حظر تجول ليلي في العاصمة التجارية دار السلام خلال الليلتين الماضيتين، بعد إضرام النيران في مكاتب حكومية ومبانٍ أخرى. وانقطعت خدمة الإنترنت منذ يوم الأربعاء.
ويرى المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن الانتخابات الأخيرة التي فازت فيها الرئيسة سامية حسن بنسبة كبيرة بعد استبعاد مرشحين بارزين من المعارضة، والقيود المفروضة، تعكس عمق الانقسام والاحتقان في المجتمع.
و«قد يشهد المستقبل القريب تعزيز مركز السلطة في يد الحزب الحاكم مع تقييد الحريات المدنية، أو قد يفرض الضغط الشعبي والدولي على الحكومة بعض الإصلاحات، لكن ذلك يبدو محفوفاً بالصعوبات»، وفق عيسي، مؤكداً أن «الاستقرار السياسي الذي كانت تنزانيا تتمتع به سابقاً يتعرض الآن لهزة كبيرة، والمجتمع يواجه تحدياً كبيراً في كيفية التعامل مع السلطة والصراع بين الحكومة والمعارضة».

وفي كلمة ألقتها الرئيسة من العاصمة دودوما بعد اعتماد فوزها بالانتخابات، قالت حسن إن أفعال المحتجين «غير مسؤولة ولا وطنية».
بينما قال حزب المعارضة الرئيسي في تنزانيا، حزب الديمقراطية والتقدم (شاديما) الجمعة، إن مئات الأشخاص قتلوا في الاحتجاجات. وكان حزب (شاديما) قد استبعد من الانتخابات بعد أن رفض التوقيع على وثيقة لقواعد السلوك، واعتُقل زعيمه في أبريل (نيسان) الماضي.
وفي أول تعليق علني من الحكومة على الاضطرابات، قال وزير الخارجية، محمود ثابت كومبو لـ«رويترز»، إن عدد القتلى الذي أعلنته المعارضة «مبالغ فيه للغاية»، لكن السلطات لم تجرِ إحصاء للقتلى بعد. ونفى استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة.
فيما أصدرت خارجية بريطانيا وكندا والنرويج بياناً مشتركاً عبرت فيه عن قلقها إزاء الوضع، وطالبت السلطات في تنزانيا بالتحلي بأقصى درجات ضبط النفس واحترام الحق في التجمع وحرية الرأي، بحسب «رويترز».
وفي ضوء ذلك، يتوقع عيسى أن المشهد الحالي يميل أكثر نحو دورة عنف مستمرة، إذ إن استمرار سياسات القمع، وقمع الحريات، وإقصاء المعارضة، كل ذلك سيؤدي إلى تعزيز الاحتقان الاجتماعي والسياسي، ما يهدد الاستقرار طويل الأمد، إذا لم يتم إدخال إصلاحات جذرية مثل ضمان نزاهة الانتخابات، وفتح المجال السياسي، واحترام حقوق الإنسان.
ويرى أن كل انتخابات مستقبلية قد تكون مجرد تكرار للنموذج نفسه من التوتر والعنف، مع احتمالية تفاقم الصراعات المحلية والانقسام المجتمعي، موضحاً أنه أمام تنزانيا خياران: إما الاستمرار في نموذج الاستقرار القسري المصحوب بالعنف والاحتقان، أو الانخراط في إصلاحات حقيقية قد تمهد الطريق لممارسة سياسية أكثر سلمية وشرعية.

