أبدى طارق خزري، المسؤول عن اكتشاف المواهب في «أكاديمية محمد السادس»، فخره بتتويج شباب المغرب أبطالاً للعالم؛ مشيراً إلى أنهم اليوم في الأكاديمية بلغوا مرحلة النضج والعطاء الكروي القادر على منافسة أكبر المدارس العالمية.
وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، قال خزري إن لديهم اتفاقية تعاون مع أندية أوروبية، تتيح للاعبيهم فرص الاحتراف الخارجي. وقد بلغ عدد الخريجين المحترفين خارج المغرب العشرات، يمثلون المنتخبات الوطنية في مختلف الفئات. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

* ما مشاعركم وأنتم تشاهدون أبناء «أكاديمية محمد السادس» يشكِّلون الركائز الأساسية للمنتخب الوطني الأقل من 20 عاماً، بطل العالم في مونديال تشيلي؟
– بطبيعة الحال، يغمرنا -مثل كل المغاربة- فخر كبير. تتويج هؤلاء الأبناء هو ثمرة رؤية الملك محمد السادس الذي وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية عمل واضحة المعالم، منذ مناظرة الصخيرات سنة 2008، والتي شكَّلت نقطة الانطلاق الحقيقية لوضع أسس الرياضة المغربية وكرة القدم على وجه الخصوص. اليوم، وبعد مرور 15 سنة؛ بلغنا مرحلة النضج والعطاء الكروي القادر على منافسة أكبر المدارس العالمية. نحن نجني ثمار هذه الرؤية السامية على أرض الواقع، من خلال تتالي التتويجات. وهي ليست صدفة؛ بل نتيجة عمل قاعدي وتخطيط دقيق وجدية في التنفيذ. تتويج منتخب الأقل من 20 سنة بكأس العالم هو فاتحة خير لبقية المنتخبات الوطنية، وفي مقدمتها المنتخب الأول المقبل على خوض نهائيات كأس أفريقيا للأمم بالمغرب.

* أسامة الزابيري قدَّم نفسه واحداً من أبرز نجوم مونديال تشيلي، ليس فقط هدافاً؛ بل لاعباً مؤثراً في المباريات الحاسمة، كيف رأيت أداءه؟
– الزابيري هو أحد خريجي «أكاديمية محمد السادس». قضى سنتين بالمركز الجهوي بمراكش، قبل أن يلتحق بالأكاديمية الأم، وتدرَّج في مختلف مراحل التكوين. تعرَّف عليه الكشافون من خلال مشاركاته في الدوريات المنظمة داخل وخارج المغرب، قبل أن يلعب مع اتحاد تواركة، ثم ينتقل إلى الدوري البرتغالي. المسار نفسه سلكه أيضاً العميد حسام الصادق الذي قدَّم أداءً رائعاً خلال المونديال، فهو قائد بالفطرة وصاحب شخصية قوية.
منهجية اختيار اللاعبين داخل الأكاديمية صارمة وواضحة، فلا يُقبل أي لاعب إلا بعد اجتياز مراحل دقيقة من التنقيب والاختبار. الزابيري مثلاً قضى 11 سنة في التكوين: سنتين بفرع مراكش، و9 سنوات بالأكاديمية الرئيسة، ما أكسبه جاهزية عالية عند انتقاله لفريق فاماليكاو البرتغالي.

* الزابيري وحسام الصادق منتَجان من طراز رفيع، ما الذي يميز هذا الثنائي؟
– حسام الصادق لاعب بمواصفات كبيرة، رغم أنه خاض المونديال بنسبة 50 في المائة فقط من إمكاناته بسبب إصابة سابقة. ومع ذلك، قدَّم أداء بطولياً، وأثبت أنه قائد حقيقي يتمتع بكاريزما وأخلاق عالية. قصته مؤثرة، فهو يتيم الأب، ووالدته واجهت صعوبات كثيرة في رعايته، ولكن الأكاديمية احتضنته كعائلة ثانية، وفَّرت له التطوير الرياضي والدراسي والتربوي الكامل، حتى أصبح اليوم نموذجاً للشاب المنضبط والمجتهد، ومواطناً صالحاً قبل أن يكون لاعباً واعداً.

* ماذا عن فؤاد الزهواني الذي سطع نجمه في مختلف المنتخبات؟
– الزهواني حالة خاصة فعلاً. شارك في بطولات وطنية وعربية ودولية، وأبان عن نضج تكتيكي وبدني مبكر، مع ذكاء ميداني كبير، وقدرة على أداء أدوار هجومية ودفاعية بكفاءة عالية. هو مدافع عصري بامتياز، وتألقه ناتج عن مستوى التطوير العالي بالأكاديمية، والتي تمنح الممارس الصغير كل الإمكانات ليصل إلى مستوى عالٍ من الجاهزية والثقة. لقد وصلنا إلى هذه المرحلة بفضل الرؤية الملكية السامية، والاستثمار الكبير في الأكاديمية التي أصبحت مصنعاً للاعبين متكاملين يمثلون مستقبل الكرة المغربية، ونموذجاً في الاحترافية والانضباط.

* هل يمكن أن تعطينا فكرة عن البرنامج اليومي للاعبين داخل الأكاديمية؟
– لدينا الفئات التي تبدأ من تحت 13 سنة إلى أقل من 21 سنة. يبدأ اليوم عند السادسة صباحاً، وينتهي نحو العاشرة ليلاً. يتضمَّن اليوم حصصاً دراسية، وجلسات فيديو، ومتابعة طبية، مع التحضير الذهني والنفسي، إضافة إلى فترات للراحة ووجبات غذائية متوازنة. كل شيء يتم وفق نظام صارم ومنضبط؛ لأننا نعتبر الالتزام والانضباط حجر الأساس في تكوين اللاعب المتكامل.
اللاعبون يتدرَّبون نحو 6 ساعات ونصف أسبوعياً، أي ما يقارب 500 ساعة سنوياً، لتصل إلى 5 آلاف ساعة خلال عشر سنوات، إضافة إلى المشاركة في دوريات دولية، مثل جنوب أفريقيا وإسبانيا؛ حيث واجهوا أندية كبرى، كريال مدريد، وبرشلونة، وأياكس أمستردام، وغيرها من أصحاب المدارس الرائدة.
لدينا أيضاً استراتيجية وطنية للتنقيب عن المواهب، تحمل اسم «جهوية التنقيب وتطوير اللاعبين»، تهدف لاكتشاف أفضل العناصر، عبر معايير تقنية وبدنية وتكتيكية وذهنية واجتماعية دقيقة. 15 في المائة من لاعبي البطولة الاحترافية المغربية اليوم هم من خريجي الأكاديمية، وهذا رقم دالٌّ جداً.
كذلك تحظى الجوانب البدنية والنفسية والتربوية بعناية كبرى، لتظل الأكاديمية أول مركز أفريقي يجمع بين الرياضة والدراسة في منهاج متكامل.

* هل توجد شراكات مع أندية معينة تستفيد من مخرجات الأكاديمية؟
– نعم، مرحلة ما بعد التكوين تقتضي انتقال اللاعب إلى أندية تمكِّنه من اكتساب الخبرة والممارسة في بطولات قوية. لدينا شراكة مميزة مع اتحاد تواركة، ضمن أندية القسم الأول؛ حيث لعب الزابيري مثلاً قبل انتقاله إلى البرتغال، وكذلك معاد الضحاك المنتقل مؤخراً إلى الرجاء البيضاوي.
وكذلك لدينا اتفاقيات تعاون مع أندية أوروبية، تتيح للاعبينا فرص الاحتراف الخارجي. وقد بلغ عدد الخريجين المحترفين خارج المغرب العشرات، يمثلون المنتخبات الوطنية في مختلف الفئات. جميعهم يسيرون بخطى ثابتة نحو هدف واحد: تشريف القميص الوطني، والمساهمة في إشعاع كرة القدم المغربية قارّياً وعالمياً.

