انطلقت جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) حول برنامج طهران النووي في إسطنبول، صباح الجمعة، بينما اعتبرت طهران المفاوضات “فرصة لتصحيح” مواقف أوروبا، فيما أعرب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، عن تفاؤله بعودة مفتشي الوكالة لإيران خلال العام الجاري، بينما قال دبلوماسيون أوروبيون، إن الترويكا الأوروبية E 3، ستقدم عرضاً جديداً لطهران خلال المفاوضات، يتضمن تأجيلاً للعقوبات على طهران في مقابل استئناف المحادثات مع واشنطن.
وأشار التلفزيون الإيراني، إلى أن المفاوضات التي تعقد في مبنى القنصلية الإيرانية بمدينة إسطنبول التركية، ستكون على مستوى نواب وزراء الخارجية. ويترأس الوفد الإيراني كل من مجيد تخت روانجي، وكاظم غريب آبادي، مساعدا وزير الخارجية الإيراني.
ويجري دبلوماسيون كبار من المجموعة الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، محادثات مع فريق التفاوض الإيراني، في أول محادثات تجمع طهران بالقوى الغربية منذ الحرب الإسرائيلية على إيران، والتي استمرت 12 يوماً، الشهر الماضي. وتهدف المحادثات لقياس مدى استعداد طهران للتوصل إلى حل لتجنب العقوبات.
وكانت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء، نقلت عن متحدث باسم الخارجية الإيرانية، قوله “موضوع الحوار واضح، وهو رفع العقوبات والمباحثات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، مع التأكيد على أننا سنعرض مواقفنا بشكل صريح وواضح”.
جروسي: إيران مستعدة لاستئناف محادثات فنية
من جانبه، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، إن طهران أشارت إلى أنها ستكون مستعدة لاستئناف بعض المحادثات على المستوى الفني.
وأضاف جروسي خلال تعليقات للصحافيين في سنغافورة، أن “إيران يجب أن تكون واضحة بشأن المرافق والأنشطة لديها”. وتابع: “ربما يمكننا البدء بالتفاصيل الفنية ثم الانتقال إلى المشاورات عالية المستوى لاحقاً”.
وأوضح أن “المحادثات الأولية مع إيران لن تشمل المفتشين على الفور”، معرباً عن تفاؤله بعودة المفتشين إلى إيران في وقت لاحق من العام الجاري.
وقال جروسي، إنه “من المهم البدء بمناقشة سبل استئناف الزيارات إلى إيران”، مضيفاً: “علينا الاتفاق على كيف نبدأ وكيفية القيام بذلك. علينا الاستماع إلى إيران بشأن ما تراه من الاجراءات الاحترازية التي ينبغي اتباعها”.
“فرصة لتصحيح” مواقف أوروبا
واعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن الاجتماع بين إيران والدول الأوروبية الثلاث، “فرصة ثمينة لتصحيح وجهات نظرها واختبار لمدى واقعيتها بشأن القضية النووية الإيرانية”.
وأعرب بقائي في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، عن أسفه إزاء ما وصفه بـ”المواقف المتحيزة” للدول الأوروبية الثلاث تجاه العمليات العسكرية التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة على إيران، مشيراً إلى أنه “سيتم نقل احتجاجات إيران بهذا الشأن إلى الأطراف الأوروبية وسيطلب منها توضيح”.
ورداً على سؤال آخر بشأن التهديد المتكرر من قبل الدول الأوروبية باستخدام ما يسمى آلية “سناب باك”، قال بقائي: إن الدول الأوروبية الثلاث، لا تملك أي صلاحية أو حق في اللجوء إلى مثل هذه الآلية نظراً لمواقفها وإجراءاتها تجاه التزاماتها بموجب خطة العمل المشترك الشاملة (الاتفاق النووي)”.
وأضاف أن طهران تعتبر الحديث عن تمديد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 “عبثياً ولا أساس له”، وذلك في إشارة إلى القرار الذي يتبنى الاتفاق النووي، ومن المقرر أن ينتهي العمل به في أكتوبر المقبل.
و”آلية سناب باك” أو Snapback Mechanism هي إجراء يسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران دون الحاجة إلى تصويت في مجلس الأمن، إذا اعتُبرت طهران في حالة “عدم امتثال جوهري” للاتفاق النووي. واستخدمته واشنطن بشكل منفرد عام 2020 دون إجماع دولي، ما أثار خلافاً قانونياً واسعاً حول صلاحية الإجراء، خاصة بعد انسحابها من الاتفاق.
وقبيل المحادثات، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن موقف طهران لا يزال “ثابتاً وراسخاً”.
وقال عراقجي في مقطع فيديو نقلته وسائل إعلام رسمية: “ستستمر عملياتنا لتخصيب اليورانيوم، ولن نتخلى عن هذا الحق للشعب الإيراني”، مضيفاً أن محادثات، الجمعة، تأتي “استمراراً للمباحثات السابقة، وعلى العالم أن يفهم أن موقفنا واضح ولم يتغير”.
عرض أوروبي لتأجيل العقوبات
وقال دبلوماسيون غربيون لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، إن الدول الأوروبية مستعدة لعرض تأجيل الموعد النهائي المرتقب لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، في حال وافقت الأخيرة على مجموعة من الشروط، من بينها استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، والتعاون مع مفتشي الأمم المتحدة المعنيين بالبرنامج النووي.
ويتعيّن على الدول الأوروبية الثلاث، الموقعة على الاتفاق النووي المُبرم في عام 2015 والذي انهار بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جانب واحد خلال فترة ولايته الأولى، أن تقرر ما إذا كانت ستفعّل آلية “سناب باك”.
وذكرت الصحيفة أن الدول الثلاث، المعروفة باسم E3، حذرت بشكل متكرر من أنها ستلجأ إلى هذه الآلية إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في كبح برنامج إيران النووي، الذي شهد توسعاً كبيراً بعد انسحاب ترمب وفرضه عقوبات أميركية مشددة على طهران.
وفي محاولة لخفض التصعيد، قال دبلوماسيون غربيون رفيعو المستوى لـ”فاينانشيال تايمز”، إنه من المتوقع أن تقترح الدول الأوروبية الثلاث تمديد المُهلة المحددة للعقوبات الأممية لعدة أشهر.
وبدون هذا التمديد، يتعين على الدول الثلاث اتخاذ قرار بشأن تفعيل آلية “سناب باك” بحلول منتصف سبتمبر المقبل، أي قبل شهر واحد من موعد انتهاء بعض البنود الرئيسية في اتفاق 2015، المقررة في 18 أكتوبر.
وأوضح الدبلوماسيون، أن العرض الأوروبي سيكون مشروطاً بموافقة إيران على عدة التزامات، من بينها استئناف المحادثات مع إدارة ترمب والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيرين إلى أن أي تمديد محتمل قد يستمر لعدة أشهر، وسيتطلّب صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، فيما رفضت مصادر أوروبية رسمية الرد على طلبات الصحيفة الحصول على تعليق بشأن هذه المعلومات.
وقال نائب وزير الخارجية الإيراني، كاظم غريب آبادي، الأربعاء، إن فريقاً فنياً جديداً من وكالة الطاقة الذرية سيصل إلى طهران خلال الأسابيع المقبلة للتفاوض على “صيغة جديدة” للتعاون، مشدداً في الوقت نفسه على أن هذا التعاون “لن يمنح المفتشين حق الوصول إلى المواقع النووية”.
وبالتوازي، أجرت إيران هذا الأسبوع محادثات مع روسيا والصين، وهما أيضاً من الدول الموقعة على اتفاق 2015، دون الكشف عن تفاصيل تلك الاجتماعات.
شروط إيرانية قبل استئناف المفاوضات مع واشنطن
في المقابل، أبدى دبلوماسيون إيرانيون استعدادهم لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، لكنهم طالبوا بضمانات بعدم تعرض طهران لهجمات من قبل إسرائيل أو واشنطن خلال فترة التفاوض.
وأشارت “فاينانشيال تايمز”، إلى أن الولايات المتحدة وإيران همّشتا القوى الأوروبية إلى حد كبير خلال المحادثات غير المباشرة التي جرت بينهما هذا العام، غير أن نقاشاً داخلياً دار في طهران، حتى قبل اندلاع الحرب، حول ما إذا كان ينبغي إعادة إشراك مجموعة E3 في المفاوضات، للمساعدة في احتواء ما يراه كثيرون في طهران “سلوكاً متقلباً” من جانب إدارة ترمب.
وفي المقابل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنه “ليس في عجلة” لاستئناف المحادثات، مدعياً أن “المنشآت النووية الإيرانية قد تم تدميرها بالفعل”، وأنه على طهران، وليس واشنطن، العودة إلى طاولة التفاوض.
لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارت إلى أن إيران قد تستأنف إنتاج اليورانيوم المُخصَّب “في غضون أشهر قليلة”.
ولم تكشف إيران عن موقع أو حالة أكثر من 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب، وهي كمية تكفي لإنتاج عدة أسلحة نووية، ما أثار تكهنات بأن هذه المواد ربما نُقلت إلى مكان آخر قبل الضربات الجوية.