لم تكن رحلة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود نحو توحيد المملكة مفروشةً بالورود، بل كانت رحلة طويلة مليئة بالصعاب والتحديات ومرّت بمخاض عسير، بدءًا من خروج الملك عبدالعزيز إلى الكويت، ثم عودته مرة أخرى إلى الرياض عام 1902م، بصحبة رجاله الأوفياء المخلصين الذين خاضوا بجانبه رحى المعارك وغمار التوحيد والبناء، وعلى رأس هؤلاء الأمير عبدالله بن جلوي بن تركي آل سعود.
مولده ونشأته
وُلد الأمير عبدالله بن جلوي بن تركي آل سعود عام 1870م في مدينة الرياض، وينحدر من أسرة معروفة بالشجاعة والقيادة؛ فهو ابن الأمير جلوي بن تركي آل سعود وأمه رقيّة بنت منصور المطرودي، ابنة أمير العوشزية من شيوخ بني خالد، تلقّى تعليمه الأوّلي في كتاتيب الرياض، وتعلّم أصول الفروسية والرماية منذ صغره حتى صار ذا هيبة وسط أقرانه، نشأ في أجواء من الانضباط والصرامة في كنف والده المعهود عنه الحزم والشدة، ما صقل فيه روح القيادة ومهارات البأس القواتي.
كان الأمير عبدالله يكبر الملك عبدالعزيز بخمس سنوات، وبرغم فارق السن كان قريبًا منه مصاحبًا له في طفولته وشبابه، حتى عُرف بين الناس بأنه ظِل الملك عبدالعزيز وساعده الذي يعتمد عليه، وعندما خرج الإمام عبدالرحمن بن فيصل وأسرته من الرياض عام 1890، بقي عبدالله بن جلوي لفترة في الرياض، يمدّ الإمام وابنه بالرسائل والمعلومات على الرغم من المخاطر المحيطة؛ مما يعكس وفاءه وحرصه على عودة آل سعود للحكم.
دوره في توحيد المملكة
يعتبر الأمير عبدالله بن جلوي من أبرز القادة الذين شاركوا في معركة استرداد الرياض عام 1902م، حيث كان من ضمن السبعة الذين اقتحموا المصمك، وأثبت بطولة نادرة خلال المعركة؛ فكان أول من دخل الحصن، وقتل عجلان عامل ابن رشيد في الرياض، وأصبح بذلك رمزًا لبطولة استثنائية في تاريخ توحيد المملكة.
بعد انتصار المصمك، استمر الأمير عبدالله في خوض معظم وقائع وحملات توحيد المملكة، وقاد عددًا من السرايا المهمة فضم ثرمداء وضبط الأمن في القصيم وعنيزة، ثم أوفده الملك عبدالعزيز أميرًا للقصيم ثم الأحساء؛ حيث كانت مهمته إنشاء سلطة الدولة الجديدة والقضاء على الاضطرابات، امتازت إمارته بالحزم وتنفيذ أحكام الشرع، واتسم عهده بالقوة والإنصاف وحماية الحقوق، فصار اسمه يثير الرهبة بين البادية والحاضرة، ويسارع الناس إليه بحثًا عن العدالة.
شارك في وقائع الخرج والحريق والدلم وروضة مهنا والبكيرية والشنانة والأشعلي والمجمعة وحريملاء والطرفية وبريدة والهفوف وجراب وفتح حائل وجدة، وقاد العديد من السرايا في حملات التوحيد، ثم تولى إمارة الأحساء عام 1913م، مكرّسًا جهده لتوطيد سلطة الدولة وتسيير أمورها وفق العدل والشرع، واشتهر بحسمه الفوري مع الخارجين عن النظام.
علاقته بالملك عبدالعزيز
عُرِف عبدالله بن جلوي بأنه العضد القوي، وحامل أسرار الملك، ورفيق دربه وصديقه الأقرب، منذ البداية ربطته بالملك عبدالعزيز علاقة أخوة وصداقة وولاء منقطع النظير، وكان الملك عبدالعزيزيعتمد عليه اعتمادًا تامًا ويفوّضه بأصعب المهام، وفي لحظات التخطيط أو الشدة العسكرية أو القضايا الاجتماعية، كان حضور عبدالله بن جلوي أساسيًا، واستشاره الملك عبدالعزيز في شؤون القبائل والشورى السياسية دائمًا، وقد قال له الأمير عبدالله عبارته الخالدة: “يا ولد عمي حنّا عصاك اللي ما تعصاك”.
الوفاة
توفي الأمير عبدالله بن جلوي في الأحساء سنة 1935م (1354هـ) عن 65 عامًا وهو على رأس عمله كأمير للمنطقة الشرقية، ترك وراءه سمعة الرجل الحازم العادل وبصمة خالدة في وجدان أبناء المنطقة الشرقية، وورّث القيادة لابنيه سعود وعبدالمحسن اللذين تولّيا إمارة المنطقة من بعده.