أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً رئاسياً بتشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت للانتقال من السلطة إلى الدولة، وذلك في إطار التحضير لانتخابات عامة بعد وقف الحرب في غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وأيضاً في إطار الاستعدادات للمؤتمر الدولي للسلام على مستوى القمة المقرر عقده في سبتمبر (أيلول) المقبل لتنفيذ حل الدولتين.
وينص المرسوم الرئاسي على أن اللجنة المُشكَّلة تُعد مرجعاً قانونياً لصياغة الدستور المؤقت، بما ينسجم مع وثيقة إعلان الاستقلال الذي أُقر في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 في الجزائر، وكذلك مبادئ القانون الدولي والقرارات الشرعية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، تمهيداً لتجسيد قيام الدولة الفلسطينية ومؤسساتها من خلال إعداد مشروع دستور «يرسّخ الأسس الدستورية لنظام حكم ديمقراطي قائم على سيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحقوق والحريات العامة وحمايتها، والتداول السلمي للسلطة».
وحدد المرسوم الذي نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أسماء رئيس وأعضاء اللجنة التي ضمت عدداً من «الشخصيات الوطنية والسياسية والمجتمعية، وكفاءات قانونية ودستورية، مع مراعاة تمثيل المجتمع المدني والنوع الاجتماعي». كما ينص على تشكيل لجان فنية متخصصة في مجالات عملها وتنظيم آليات تشكيلها وعملها واجتماعاتها حسب النظام الداخلي.
ومن المزمع، بحسب المرسوم، إنشاء منصة إلكترونية لاستقبال الاقتراحات والتفاعل للوصول إلى «أفضل دستور مؤقت يمثل الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الانتقالية المهمة، وذلك بهدف ضمان التواصل الواسع مع جميع قطاعات وشرائح المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج».
من رئيس اللجنة؟
ويترأس اللجنة، الدكتور محمد الحاج قاسم، وهو مستشار وقانوني وأكاديمي ينحدر من طولكرم، وكان عباس قد عينه في مارس (آذار) 2016 رئيساً للمحكمة الدستورية العليا.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2018، اتخذ قاسم قراراً بحل المجلس التشريعي والدعوة لإجراء انتخابات عامة، وأحاله الرئيس الفلسطيني للتقاعد في مايو (أيار) 2023.
وقال قاسم في تصريحات لإذاعة «صوت فلسطين» الرسمية إن هذه الخطوة تشكل «مهمة قومية عليا تهدف إلى صياغة مشروع دستور لدولة فلسطين المستقلة»، عادّاً أن هذا العمل سيكون من أبرز معالم النضال السياسي الفلسطيني في المرحلة الراهنة.
وأضاف أن الدستور المؤقت سيمهد لمرحلة الدولة الدائمة، ويؤسس لنظام ديمقراطي عصري يقوم على سيادة القانون، والفصل بين السلطات، وضمان الحقوق والحريات العامة.
وأكد أن الدستور سيعلن عن حزمة واسعة من الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، مع وجود جهاز مختص لحمايتها وضمان التداول السلمي للسلطة، مؤكداً أن اللجنة تضم جميع مكونات المجتمع الفلسطيني المدنية والسياسية والشبابية الفاعلة.
وأشار إلى أن اللجنة ستعقد اجتماعها الأول قريباً لتحديد آليات العمل والإجراءات اللازمة لإعداد مشروع الدستور المؤقت، مؤكداً ضرورة أن يتضمن ملامح النظام السياسي الفلسطيني المقبل، بما يشمل السلطة التشريعية والتنفيذية وآليات انتخاب الرئيس والحكومة، وبما يتناسب مع خصوصية القضية الفلسطينية ومرحلة التحرر الوطني.
الأعضاء
اختير في اللجنة محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني، وزياد أبو عمرو نائب رئيس الوزراء السابق وعضو المجلس التشريعي واللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، ممثلين عن قطاع غزة، كما ضمت شخصيات من مؤسسات حقوقية ومسؤولين في حركة «فتح» من مناطق مختلفة بالضفة الغربية والقدس، بينما غابت أسماء أخرى من فصائل فلسطينية بارزة مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وهي من الفصائل المنضوية تحت إطار «منظمة التحرير».
وكانت وكالة «وفا» قد نشرت القرار منذ بضعة أيام، إلا أنه حُذف سريعاً، ليعاد نشره مساء الاثنين مع تعديلات ظهرت على قائمة أسماء أعضاء اللجنة الذين كان عددهم حينها 13 شخصية، قبل أن يصبح العدد 18.
ولم تعلق أي من الفصائل الفلسطينية على هذا.
ويأتي تشكيل اللجنة في وقت يشهد مطالب عربية ودولية للسلطة الفلسطينية بإجراء إصلاحات بغية الدفع باتجاه حلول سياسية تفضي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، والعمل على دفع حل الدولتين الذي بات يكتسب زخماً متزايداً.
كما أن الخطوة تأتي في وقت أكد فيه عباس خلال رسائل تبادلها مع رؤساء بعض الدول التزامه بذلك وبإجراء انتخابات في غضون عام واحد، وتجيء كذلك بعد أن عين نائباً له في الأشهر الماضية بطلب من الدول العربية، باختيار حسين الشيخ لهذا المنصب.
الحراك المصري
يتزامن ذلك مع خطوات مصرية مدعومة من الدول العربية لمحاولة تشكيل لجنة مؤقتة تدير الأوضاع في قطاع غزة، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تجري المساعي الحثيثة لبلورته، تمهيداً لتسلم الحكومة الفلسطينية مقاليد الحكم في القطاع، رغم المعارضة الإسرائيلية الشديدة.
وكانت حركة «حماس» تصرّ خلال مناقشات تشكيل لجنة إدارية مؤقتة، سميت باسم «لجنة الإسناد المجتمعي»، في الجلسات التي عقدت مع المسؤولين المصريين وقيادات من حركة «فتح»، على إجراء انتخابات فلسطينية عامة في غضون ستة أشهر أو عام من وقف الحرب، وهو ما لم تتجاوب معه حركة «فتح» التي قبلت لاحقاً تحت ضغوط مصرية بتشكيل هذه اللجنة على أن يترأسها وزير من وزراء غزة في حكومة محمد مصطفى الذي زار مصر، الاثنين، والتقى فيها مسؤولين كباراً من بينهم وزير الخارجية بدر عبد العاطي، وعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً عند معبر رفح، أكدا خلاله على تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة القطاع.
ويتواكب هذا مع حراك مصري جديد، بالتوافق مع فصائل فلسطينية توجد قيادتها في القاهرة حالياً، منها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» والجبهتان الشعبية والديمقراطية، لمحاولة احتضان ورعاية اجتماع وطني طارئ لجميع الفصائل الفلسطينية، للاتفاق على استراتيجية وطنية وبرنامج عملي لمواجهة المخططات الإسرائيلية ووقف الحرب على غزة واستعادة الوحدة الوطنية.